في ظل ما تشهده منطقة الخليج العربي من تطور شامل في شتى المجالات، يبرز العمل الثقافي الخليجي المشترك كأحد أهم الركائز التي تدعم وحدة الصف وتُعزّز الهوية المشتركة بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي. فالثقافة ليست مجرد إنتاج فكري أو فني، بل هي جسر للتواصل الإنساني، وأداة لتعميق الوعي المشترك بقيم الانتماء والمصير الواحد. ومن هنا، يأتي دعم مسيرة العمل الثقافي الخليجي كضرورة استراتيجية لترسيخ التكامل بين الدول الشقيقة. لقد أسهمت المبادرات الثقافية الخليجية في تعزيز التعاون بين دول المجلس، وذلك من خلال تبادل الخبرات وإقامة المنتديات والمعارض والمهرجانات الأدبية والفنية التي تُسلّط الضوءَ على التراث الخليجي المشترك وتؤكد وحدة التاريخ والمصير.
وقد أصبح هذا التعاون الثقافي منصةً مهمةً لتعزيز التقارب بين أبناء الخليج، ولبناء وعي مشترك يسهم في مواجهة التحديات التي يفرضها واقع العالم المعاصر وتحولاته على اختلافها.
ومن الجوانب البارزة في هذا المجال تكثيف الفعاليات الخليجية المشتركة، مثل الأسابيع الثقافية والمعارض الفنية والندوات الفكرية، التي يسهم تنظيمها في ترسيخ الهوية الخليجية، وفي إبراز التنوع الثقافي في إطار الوحدة. فهذه الفعاليات تعزّز التبادل الثقافي بين الدول الأعضاء، كما تغرس روح الانتماء والاعتزاز بالهوية الخليجية لدى الأجيال الجديدة. ومن هنا فإن دعم العمل الثقافي الخليجي المشترك هو دعمٌ لركيزة أساسية من ركائز التكامل والوحدة، وهو استثمار ناجح في بناء الإنسان الخليجي الواعي والمنفتح على العالم، القادر على صون تراثه وتعزيز مكانة وطنه في خريطة الثقافة الإنسانية.
والثقافة الخليجية، بما تحمله من أصالة وانفتاح، تمثل نافذةً مشرقةً على العالم تعكس الوجهَ الحضاري للمنطقة، وتعزّز حوارَ الثقافات. ومن شأن توسيع دائرة التعاون الثقافي مع الشعوب الأخرى أن يسهم في بناء جسور التفاهم الإنساني، ويُعزز مكانة دول الخليج على الساحة الدولية بوصفها مراكز للسلام والإبداع والتعايش. وفي هذا السياق، يأتي الاهتمام المتزايد بالترجمة ودعم حضور اللغة العربية كدعامة رئيسية للعمل الثقافي الخليجي المشترك. فاللغة العربية تُمثل القلب النابض للهوية الخليجية، والحفاظ عليها وتطويرها يعني الحفاظ على الذات الثقافية للأمة العربية ككل. وقد عرفت السنواتُ الأخيرةُ جهوداً كبيرةً في مجال التعريب والترجمة من اللغات العالمية إلى اللغة العربية، بهدف نقل المعرفة وتعزيز المحتوى العربي في مجالات العلوم والآداب والفكر. وفي هذا الإطار، يُعد دعم مبادرات التعريب في المؤسسات الأكاديمية والإعلامية خطوةً حيوية لترسيخ مكانة العربية حاضراً ومستقبلاً.
*كاتب كويتي


