قوبلت موافقة الرئيس دونالد ترامب على الاتفاق التجاري مع الصين «المرحلة الأولى»، يوم الأربعاء الماضي، في خطوة للتراجع عن الحرب التجارية، التي استمرت قرابة العامين بين البلدين، بتفاؤل حذر في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، أثار الاتفاق الجزئي ردود فعل أكثر بروداً في أوروبا، يقول «جابرييل فيلبيرماير»، رئيس معهد «كييل» للاقتصاد العالمي في ألمانيا: إن العديد من الاقتصاديين الأوروبيين يرون أن الاتفاقية «تمييزية بشكل صارخ»، وهي إضعاف «للنظام التجاري متعدد الأطراف» و«ضارة بأوروبا».
وقد وافقت الصين، بموجب الاتفاق، على شراء سلع أميركية، تزيد قيمتها بنحو 200 مليار دولار على مدى العامين المقبلين، ما قد يضع الاتحاد الأوروبي في وضع غير مؤاتٍ، وفقاً للباحثين.
أما التصعيد المحتمل لنزاع أوروبا التجاري المحتمل مع الولايات المتحدة هذا العام، فهو يمثل مصدر قلق أكبر بين بعض الاقتصاديين، على الرغم من محاولات مسؤولي الاتحاد الأوروبي القيام ببعض التحركات التصالحية.
وتساءل «هوزوك لي-ماكياما»، مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي: «ما الذي يجعلهم يقللون من حدة التصعيد؟ إن لديهم الآن النفوذ».

- عم يدور النزاع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟
كثيراً، ما يشكو ترامب مما وصفه بعلاقة تجارية غير متوازنة وغير عادلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في عام 2018، بلغ العجز التجاري للسلع الأميركية مع الاتحاد الأوروبي 169 مليار دولار، وفقاً لمكتب التمثيل التجاري للولايات المتحدة.
وقد تجلى الضغط الأميركي على أوروبا بطرق عديدة منذ تولي ترامب منصبه، ومؤخراً اقترحت الولايات المتحدة تعريفات جديدة على المنتجات الفرنسية، رداً على ضريبة فرنسية على الخدمات الرقمية، بما في ذلك تلك التي تقدمها شركات التكنولوجيا الأميركية.
لكن ترامب وجّه غضبه الشخصي إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي بعينها، وهي ألمانيا، حتى قبل أن يصبح رئيساً، كان ينتقد شركات صناعة السيارات الألمانية، ويقول ترامب وغيره من منتقدي السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي: إن الكتلة الأوروبية تخلق ميزة غير عادلة، من خلال فرض رسوم بنسبة 10% على واردات السيارات الأميركية، مقارنةً بتعريفة الولايات المتحدة التي تبلغ 2.5% على واردات السيارات الأوروبية.
وقال مسؤولون أوروبيون: إن إجمالي العجز التجاري للولايات المتحدة أقل بكثير، إذا أخذنا الاستثمارات والخدمات في الاعتبار، ما يجعل علاقتهم التجارية أكثر مساواة.
كما انتقد الاتحاد الأوروبي، تبرير ترامب الرسمي لفرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألومنيوم والتهديد، باتخاذ إجراءات مماثلة ضد شركات صناعة السيارات، وفي عام 2018، حث ترامب وزارة التجارة على معرفة، ما إذا كانت واردات السيارات قد تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وبدا على استعداد لاستغلال البند الوحيد في معاهدات منظمة التجارة العالمية، والذي يسمح بالاستثناءات إذا كان الأمن القومي في خطر.
وبعدما تولى الرئاسة، قام ترامب بزيادة التوترات التجارية على جبهات متعددة، خاصة مع الصين وكندا والمكسيك واليابان، مما أدى إلى تحذير من صندوق النقد الدولي، بأن التصعيد يعرض النظام التجاري العالمي للخطر، ولكن في الآونة الأخيرة، وفي بعض أجزاء من العالم، تبنى ترامب لهجة أكثر تصالحية، وبعد الإعلان عن اتفاقية الصين يوم الأربعاء، وافق مجلس الشيوخ يوم الخميس، على اتفاقية التجارة الجديدة لأميركا الشمالية مع المكسيك وكندا.
ويحذر محللون، من أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا مختلفة، فمسؤولية المفوضية الأوروبية عن المحادثات التجارية تعني أن إدارة ترامب لن تتفاوض مع قادة العالم المنتخبين بشكل مباشر، والذين قد يخشون من فقدان مناصبهم في حالة حدوث تصعيد، وما يلحق به من تراجع اقتصادي.
ونتيجة لذلك، فإن الضغط السياسي للتوصل إلى اتفاق، بحسب ما يرى «فيلبيرماير»، سيكون أقل منه في المكسيك أو اليابان أو دول أخرى.
وعلاوةً على ذلك، ربما ترغب واشنطن في أن تقدم بروكسل تنازلات بشأن دعم الاتحاد الأوروبي للمزارعين وشركة صناعة الطائرات الأوروبية «إيرباص».
يقول ماكياما: «نظراً لأن المفوضية الجديدة في أوروبا ليس لديها سوى مجال سياسي محدود لتقديم أي تنازلات للأميركيين، سواء أكان ذلك في الزراعة أو الطيران المدني أو الضرائب، فإنني أعتقد أننا مقدمون على طريق وعرة، ولكن إذا تصاعدت التوترات، سيكون الاتحاد الأوروبي لديه نفوذ أكبر على الولايات المتحدة من نفوذ الصين، نظراً إلى الحصة الكبيرة من الاستثمارات والصادرات الأميركية المرتبطة بأوروبا».
وقال «فيلبيرماير»: «هذا يجعل الصراع أكثر تناسباً»، ويبدو أن ممثلي الاتحاد الأوروبي أكثر قلقاً من احتمال أن تجعل انتخابات 2020 ترامب مفاوضاً أكثر تقلباً، وخلال زيارة له إلى واشنطن هذا الأسبوع، انتقد المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي «فيل هوجان»، ترامب بسبب «تفكيره قصير المدى».

*صحفي متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»