أعجز بالفعل عن إحصاء عدد الدروس التي خرجت بها من تجربة المشاركة والإشراف على صفحات ذاكرة الروح، ولأن لي أمنية في هذا الشأن، بأن تقبع تلك الأخبار في ذاكرتي وتلتصق في تجاويفها، لكي لا أنسى تاريخاً من أهم الأحداث التي مرت في سنوات دولتنا الأربعين، ولتحقيق ذلك وجدت في الكتابة عن التجربة تمرينا عمليا لتحقق الأمنية، فالأماني لا تتحقق بالتمني، وعليكم أن تتحملوا غلابي. خلال تلك الأخبار التي بلغت 1600، ورد خبر في 14 يوليو عام 1976 وقفت أمامه طويلا، ابتسمت ثم أدمعت؛ وفي الخبر الذي أورده لكم كما نشر في ذلك الوقت: أصدر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، توجيها بإنشاء مدينة جديدة عند دوار المفرق، وذلك في المنطقة الواقعة بين الطريقين المؤديين إلى كل من دبي والعين. وتضم المدينة الجديدة التي أمر سمو رئيس الدولة بأن يطلق عليها اسم “بني ياس” سبعة آلاف مسكن، وسيتم تزويدها بجميع المرافق الحيوية من مدارس ومستشفيات ومساجد وأسواق وحدائق عامة وأندية رياضية. ولأني أسكن هذه المدينة التي وصفتها على صفحتي على الفيسبوك بـ (بني ياس العظيمة)، تأملت كثيرا فكرة النشأة وتاريخ ذلك، ومرت في ذاكرتي كشريط سينمائي ما يقارب الثلاثين عاما - لا أزال أقطنها منذ دراستي في المرحلة الابتدائية ولا أتخيل نفسي أعيش خارجها- وتوسعها الذي أراه يوما بعد يوم لتصبح مدينة كاملة متكاملة، تقطنها قبائل ظلت طويلا تعتمد على التنقل والرعي، لتتحول إلى مناطق جاذبة تحوي كل وسائل العيش الكريم، وليخرج من أبنائها رجالا ونساءً يساهموا في مسيرة التنمية. تعاملت مع أغلب الأحداث التي تم رصدها إن لم تكن جميعها، بأنها جزء من تكويني الفكري والإنساني، ولهذا كانت حساسيتي شديدة جدا تجاه من لم يتعاط مع هذا العمل بالجدية التي يستحقها؛ خاصة عندما شبه البعض تلك الأخبار التي اشتغلنا عليها بصفحة “الوفيات” - المعروفة في بعض الصحف العربية برصد أسماء الأموات وأماكن أخذ العزاء فيهم، لأنهم رأوها أخبارا جافة لا حياة فيها -، ومن الطبيعي أن يضايقني هذا التصور حول ما أعتقد أنه تفاصيل خاصة جدا بي وبتكوين كل أبناء هذا الوطن. لم تكن أخبارا قديمة جافة غطاها التراب وأكل الدهر عليها وشرب، بل كانت أحلاما وأفكاراً وخططاً وعزم، وأشياء كثيرة تتنفس وتتحرك وتنمو وتصعد وتبتهج، وتنجح؛ أشياء تجعلني أزهو بكوني من هذا المكان، وأني شهدت هذه التحولات، وأن الله منحني هذه الفرصة لأسترد تلك الذكرى، وهي أشياء ستظل لعقود طويلة، سببا لزهو أجيال كثيرة من أبناء هذا الوطن. السعد المنهالي | Als.almenhaly@admedia.ae