أذكر أنني اخترت موضوع الصورة الشعرية في شعر الإحياء، ولم أجد في اللغة العربية مراجع عن الصورة الشعرية في ذلك الوقت سوى كتاب المرحوم مصطفى ناصف ''الصورة الأدبية'' الذي نشر في مطالع الستينات، والذي لم يكن يشبع نَهم من يريد أن يتعمق في دراسة الصورة الشعرية· ولذلك لم يكن هناك من سبيل سوى تقوية لغتي الإنجليزية وقراءة ما هو متاح فيها عن الصورة الشعرية، نظرياً وتطبيقياً· وقد هداني البحث إلى كتاب الصورة الشعرية الذي كتبه سيسل داي لويس، وقد وجدت الكتاب في دار الكتب المصرية، وحملته بالقرب من قلبي طوال الطريق الذي قطعته من باب الخلق، حيث دار الكتب القديمة إلى الجيزة، حيث كنت أسكن· ولا أزال أذكر الليالي التي قضيتها حتى الصباح، منكفئاً على الكتاب وعلى القاموس الذي أبليته من كثرة استخدامه، فقد كانت إنجليزيتي في ذلك الوقت فقيرة وضعيفة إلى حد كبير، ولذلك استعنت على فهم الفقرات، بالغة الصعوبة، بأستاذي المرحوم عبدالمحسن طه بدر الذي كان يقضي معي عدداً من الساعات، مرة كل أسبوع، ليشرح لي بعض الفقرات المعقدة نقدياً في الكتاب· وبعد عدة أشهر من الصبر الجميل والعمل الدؤوب واستخدام القاموس مرات لا تعد ولا تحصى، فرغت من قراءة الكتاب وفهمه، وقد أغراني صديقي كمال ممدوح حمدي، أن أجعل من التلخيص عرضاً وتحليلاً للكتاب ينشره في مجلة ''المجلة'' التي كان الأديب العظيم يحيى حقي رئيس تحريرها· وبالفعل نشر التحليل والعرض في مجلة ''المجلة''، وقد اشتريت أعداداً من نسخ المجلة بقدر ما سمحت به أحوالي المالية المتواضعة، ولم أترك صديقاً لي إلا وأعطيته نسخة من المجلة· وما أكثر المرات التي كنت أعاود فيها قراءة ما كتبته فرحاً به، وقد أنستني فرحتي الغامرة كل ساعات السهر التي انكببت فيها على مكتبي أحلّ طلاسم الجمل الإنجليزية الصعبة، وكل إحباطات الفشل في عدم الوصول إلى معاني التراكيب بعد أن استخرجت معاني الكلمات من القاموس، وأحسبني تعلمت من ذلك الوقت أنه لا معرفة دون مكابدة، وأن العلم، كما يقول إبراهيم بن سيار النظام، أستاذ الجاحظ، لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كُلّك، أما المكافأة المالية التي حصلت عليها فقد كانت بلا أهمية لي، ولا معنى، فقد كان المعنى والأهمية قريني نشر أول مقال لي في أكثر مجلات ذلك الوقت تميزاً ووزناً وقيمة·