لديه عالمه الخاص ويقول كل ما يود البالغون سماعه وعلى معايير فهمنا الأولية قد يوصف بأنه “أرضْـيّْ الحضَـيْبهَ” أو “اللي طايح فواده قبله”. عندما يزورني عبدالله ابن أخي يظل محدقاً في تجاعيد وجهي لفترة لا يستهان بها ثم يسأل أسئلة مثيرة للجدل وكأنه مراسلٌ لفضائية ما. وذات نهار وبعد تحديقات العصر جلس عند شحوب الشمس متظاهراً بأنه يفكر فقلت له: لا زلت صغيراً على ذلك و”لاحج عليه”! فصرح قائلاً: أنا لا أحبُ زوجة أبي. فلم أنبس بكلمة: فاستطرد قائلاً: عموه، هيه خذت أبويه عنا.. أنزين الحين أنتي لوكنتي صغيرة مثلي وعمرك ثمان سنوات ما تبين أبو؟” فأجبته وكأنني أُدلي بتصويت مصيري أمام مجلس الأمم المتحدة: “يعني مثل يوم انته تلعب ومستانس ويي حد ويأخذ عنك اللعبة؟” فرد بحرقة: “إذا كان فقير ويحتاج اللعبة وهي رخيصة باعطيه إياها وباحصل أجر، لكن لو كانت اللعبة غالية مثلا PSP وأنا أحبها، لا ما بعطيه إياها بس با ألعب وياه ويوم با روُّحْ باوديّْ لعبتي ويايه!” فصرت أحدق بدلاً عنه وسرحت في الشعيرات الدموية ليديه الصغيرتين وتمنيت له التوفيق في عالمٍ لا يعرف غياهيبه إلا الله. وعندما جاء المساء “انسدح على الشبرية” وقال: “عموه، لو ما كان فيه أي أكل بس لحم كلاب ولحم أوآدمّْ ممكن ناكل لحمهم؟” فتجاهلت السؤال حتى يومنا هذا وبادرت قائلة: “الغالي يوعان. فأجاب بكرامة: أنا يوعان وعطشان بعد. فأحضرت له ما يأكله عيال هذا الوطر عيش وروب وشرب ما شرب.. وغسل أسنانه وقال “اللهم باسمك أموت وأحيا” وأغمض عينيه وعندما نام عبدالله كان في هيئة ملائكة الرحمن. وعند الساعة الثالثة صباحاً أيقظني حراكه المستمر فسألته: “هاه شو الهبه؟” فتنهد كما لو أنه عاشقٌ أفسد سؤالي عَـدَهُ للنجوم وقال: “عموه، أنتي ليش ما عرستي لين الحين؟ فسألته: وأنته ليش ما رقدت لين الحين؟” فأجاب: “تعرفين ليش أنا ما أحب ألعب كرة قدم، عشان أنا ما أحب المراوغة وحد من الناس يتفلسف وايد ويتحرون عمارهم ميسي.. لو عرستي جان ممكن أكون ولدك؟” ففتحت النور وألتفت إلى بطرف عينه مؤكداً “أعرف اني ولدك بس قصدي...” وبثقة قال: “ليش الكبار دوم محرجين ويوم نسوي شيء ما يعجبهم يفاتنون علينا و “ينازعونّا” ويسوون عمارهم يعرفون كل شيء لكنهم يجاوبون بس على الأشياء اللي يبونها ويسوون عمارهم ما يسمعون ساعات ونحنا يالصغارية ننضرب يوم “نصاوخ!” أيها السادة، للطفولة مفهوم جديد فنحن لا نستطيع تجاهل أسئلة الأطفال في بيوتهم وقد يتجاهلهم المعلمون كما يتجاهلهم الباعة وأصحاب المتاجر كما تعلل الدكتورة إيمان خضر عندما يوجه الطفل سؤالا لصاحب المحل “بكم هذا” يتجاهله الآخر، ولا يرد عليه، وقد يعنفه البعض ويقول “اتركه ليس للبيع”. والسبب الذي يعتقده البعض أنهم “أطفال. وتضيف الدكتورة وينتج عن التجاهل شعور الطفل بالانطواء والعداء المتأصل في نفسه على المجتمع المحيط به ويعيش في تساؤل دائم لماذا لم يرد علي؟ ولماذا يتجاهلني؟، هل لكوني صغيرا؟ عبدالله طفلٌ فوق العادة وأدعو الله أن ينسجم عالمه مع ما سيقدمه فكره النابغ للوطن ذات يوم. وبعد زوبعة الأفكار نادى المؤذن “الله أكبر” فقلت في تلى صوته حديثاً للرسول عليه الصلاة والسلام: “اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم”. bilkhair@hotmail.com