في عرس خيالي جلست متأملة حتى اهتز جزء لم أكن أعرفه في قلبي عندما رأيت “أم غانم” تقف باكية بجانب ابنتها واحترت في قياس مشاعرها كما احترت بينهما من هي الأجمل؟ فالأم صديقة قديرة عرفتها عندما كانت ملابسنا معدودة، ونقودنا مفقودة وأيامنا موعودة! والبنت ترعرعت مدللة ولكنها من “السنع” والمعاني أقرب، وكأن الزمان وقف بأمها في محطة من محطات الشباب لتكمل أبنتها المشوار. ولقصتي بهذه الجميلة ما يقال، فهي من تزورها الآمال والأحلام في الخفاء والعلانية، وهي من تُبدعُ في القول وطرح النكتة كنقطة حوار، وهي من يقع السر عندها موقع العقل فتتحدى به الحكماء والمتذاكين، وهي من تنظر فنفهم الألم وهي الحسن وباقي الجمال، وكم تمنيت لو أني ابنتها فهي برحمة الملائكة ما تركت في نفوس أبنائها مالا يدل إلا على قربهم من قدميها والجنة. أنا وجميلة ممن يتغلب عليهن الشجن والحنين فنسافر إلى “بَمبي” التي أصبح اسمها مومباي لنجول في أزقة تركنا عليها آثار أقدامنا الصغيرة فنشرب العصير ونأكل المثلجات ونشتري العطور والمطارح وشيل الصلاة ونركب الركشة ولا يعرف غيرنا لماذا كل هذا الولاء الذي قد ينعتوه بالبلاء. وبينما يفكر الآخرون في النظافة نبحث نحن عن إنسانيتنا التي تختبئ أحياناً في متغيرات الوقت والبشر. سنين مرت لم أر فيها جميلة ولكن في كل مرة يأتي أسمها تكون “بَمبي” وذكريات طفولتنا هي نقطة البداية وأساس العلاقة. من لا يريد ولا يتمنى شخصاً مثلها في حياته، فهي وإن كانت بعيدة تعيش في صور الذهن أزورها فأبتسم وأعود للحاضر. ولتثبت حسن نيتها وولائها قالت لي أم غانم في آخر مرة التقينا بها: “عوُّاش، سرت بَمبي”! فكان ذلك عامل الجذب الأول وكالصغار سألتها: “قولي والله!” فردت: “والله ووديت ويايه بنتي عوُّاش”. فسألتها مختبرةً مدى نجاح الرحلة في نظري وقياسها على المعايير والمواصفات المعتمدة من أبناء جيلنا لزيارة هذه المدينة العريقة لأكثر من سبب فقلت لها: سرتي “أورينت اُتيل” وشربتي فالودة من “بادشا كولد دريك” وسرتي “كولابا”....الخ! فقاطعتني: “هيه: وعوُّاش ويايه، ما عليه جيلهم مب مثلنا”. فارتحت من تبريرها وتركنا خصوصية نعرفها لذلك المكان والزمان وظروف أهالينا وأحوالهم في فجر الاتحاد. واليوم تقف جميلة التي يقاس طولها ببرج خليفة شموخاً لما قدمته لنا كصديقات ولأبنائها من رعاية وتفاني في العطاء وبجانبها من زرعت بها الهمم والقيم. وفي ساعات الصباح الباكر تركت العرس ضاحكة باكية وجميلة هذه، أجمل ما فيها إنها صاحبة واجب لا تحتاج لدروس خصوصية للتصدي للعولمة، وعلى ما يبدو لقنت تلك الكراكيب الغريبة درساً لن تنساه أو تعود من جديد. وعندما سألتني “شخصة” لماذا تكتبين عن بعض الأفراد وتمدحينهم؟ فقلت لها: أن الأشخاص الذين نعرفهم يشكلون جزءا مهما في حياتنا والمجتمع، فهم من يعكس واقع الحياة والسلم والأمان والقيم والمفاهيم التي تُسير عجلة الترابط والتلاحم المجتمعي. هؤلاء هم أهل الإمارات وانتمائي لجيلهم وسام عزة وسمو وشرف. bilkhair@hotmail.com