شارك في الاستطلاع: إبراهيم الملا، محمد عبد السميع، غالية خوجة
غاب قمر الشعر النبطي في الإمارات بغياب الشاعرة الإماراتية الكبيرة عوشة بنت خليفة السويدي التي حظيت بلقب فتاة العرب، لتتحول بذلك إلى رمز حاضر ومعبّر عن ذاكرة شعرية ممتدة، ضربت بجذورها في التراكيب اللفظية المتداخلة بين الفصيح والعامي، سواء في القصائد الشفاهية أو تلك المدونة على مرّ العصور الذهبية لتألق الشعر وحيازته لقب ديوان العرب.
غابت عوشة السويدي فانكسر ضياء هذا القمر وهذا الألق، وخسرت الساحة الشعرية المحلية اسماً ظل مقروناً بالجسارة والتحدي والجموح، ليس على صعيد البوح الشعري فقط، ولكن على صعيد الاستئناس بالذات الأنثوية، وبهذا الصوت المخترق لجدران صمت سميكة أحاطت بصوت المرأة في المكان.
صدحت عوشة السويدي بمكنون عواطفها، ونسجت قصائدها على إيقاع الوله والدهشة، واكتشاف قوة الكلمات، وصدى الإبداع، وجاذبية السبك، فامتلكت مساحة خصبة من القبول الشعبي والنخبوي، ودخلت في سجالات مشوّقة مع شعراء كبار، وزاحمتهم في فضاء الجمال المشترك، عندما كانت القصيدة هي صوت القلب وترجمان الروح وجسر الأشواق، وعندما كان للشعر أثره الإعلامي المهم، فتداوله الناس وتفاعلوا معه، فكانت كل قصيدة لفتاة العرب هي بمثابة خبر جديد انتظره الجميع بلهفة واشتياق لا حدود له.
الهنوف: قيم إماراتية
اكدت الشاعرة الهنوف محمد: «عوشة السويدي شاعرة مهمة جداً، ولها مكانتها لأنها من ندرة شاعرات جيلها، لم تكن تحب الظهور، لكنّ لشعرها أثراً وتأثيراً، وستظل قصائدها حاضرة في الأوساط الثقافية في الدولة، لأن شعرها يتميز بقيم أصيلة، ولهجة إماراتية أصلية مفردة، صياغة، وصوراً، وإبداعاً، إضافة إلى أنها كانت تلقائية وقريبة من القلب، وتعتبر موسوعة محلية إماراتية، ليست تراثية وموروثة فقط، بل هي نموذج للحاضر والمستقبل، ولذلك شعرها سيظل في الذاكرة، وأنادي بأن يدرس، وأن يتناوله النقاد».
النقبي: مرثية لـ «أم الشاعرات»
في مرثية في فقيدة العرب والأدب عوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب)، تقول الشاعرة مريم النقبي (سجايا الروح):
أسأل الله الصبْر وأسألْه الثبات
ع المصاب المفجع الصعب الأليم
عوشه أم الشعر وأم الشاعرات
اشهد إِنّه فقدها فقد عظيم
شاعرة ترقى عَ روس النايفات
ما مشَتْ إلا على النهج السليم
كنت اشوف الشعر من كل الجهات
مرتبط فيها من الوقت القديم
صاغت الأشعار بأحلى المفردات
ماتلاقي مثلها نادر عديم
كم نهلنا الشعر معْ عَذْب الصفات
وكم نهل من مورد الحكمة حكيم
وكم تمنينا وأمانينا شتات
نلتقي فيها على روس القميم
(ياركن عود الهوى) الليله يبات...
كل من حبّك وفي قلبه جحيم
صار عود الشعر من بعد الممات
في مهب الريح وأصبح كالهشيم
انتي أم الشعر وأم الشاعرات
يا عسى مثواك جَنَّات النعيم
ويا إله الكون نسألك الثبات
ع الفراق الصعب والفقد الأليم
لوتاه: ثقافة متنوعة
قالت الدكتورة حصة لوتاه إن الشاعرة عوشة السويدي كانت صديقة للعائلة، وكان حضورها يفيض بالرقة البالغة، كما أنها كانت حديث الناس، وكانوا يتداولون شعراً ويرددون ما كانوا يستمعون إليه من قصائد جميلة لها، وثقتها بصوتها على شرائط الكاسيت، فكانت متداخلة مع الأجواء العفوية والنقية التي عاشها المجتمع المحلي قديماً، وأضفت طابعاً من الألفة والمحبة بين الجميع.
وأضافت لوتاه أن قصائد عوشة السويدي، تكشف عن ثقافتها المتنوعة والثرية، وأن مفرداتها وإنْ كانت موغلة في العامية، إلا أنها تنبع من جذر عربي فصيح، وأن تفردها الإبداعي إنما جاء من فهمها المستفيض لأسرار اللغة وبواطن البلاغة.
وأوضحت لوتاه أن وعيها العميق وإحساسها المرهف شكلاً، قوام مشروعها الشعري وأسلوبها التعبيري المختلف عن كل الشاعرات الأخريات في المكان، بل إنها استطاعت أن تزاحم وتنافس شعراء كباراً ومميزين في الفترة التي ظهر فيها صوتها الاستثنائي المتوافر على خيال غير عادي عند رسم وتكوين المفردات الخارجة عن سياق المكرر والمألوف.
وأوضحت لوتاه أن الاتساع المعرفي الذي خبرته الشاعرة عوشة السويدي، أدى إلى وجود التناص مع قصائد شعراء قدماء ومعاصرين كبار، تأثرت بتجربتهم مثل المتنبي والماجدي بن ظاهر وغيرهم، ولكنها في النهاية استطاعت أن تستخلص لنفسها مساحة خصبة من التفرد والخيال والتعبير الحر والجاذب للقارئ والمستمع، ولكل من تفاعل مع قصائدها المدهشة.
غباش: عاشت 3 أجيال
رأت الكاتبة الدكتورة موزة غباش، مؤسسة ومديرة رواق عوشة بنت الحسين الثقافي، أن الإمارات خسرت قامة كبيرة، لأن نهضة الشعوب تقاس بأدبها وشعرها وفنونها المختلفة، وما قدمته عوشة بنت خليفة السويدي للإمارات والخليج بشعرها وأدبها، يعتبر تاريخاً مديداً يُغني الحياة الثقافية في الإمارات والخليج لأزمان قادمة، و«فتاة العرب»، لم تقدم شعرها في العشق أو الغزل فقط، وإنما قدمت رؤى ثقافية اجتماعية مختلفة، غنتْ لبحر الإمارات، وصحراء الإمارات، وللحياة الاجتماعية في الإمارات.
وتابعت: «عوشة بنت خليفة السويدي عاشت (3) أجيال متواصلة، جيل الشعراء المؤسسين للبنية الثقافية الإماراتية منذ الخمسينيات إلى السبعينيات، ثم عاشت جيل الاتحاد ونهضة الإمارات، كما تغنّى مطربو الإمارات بشعرها الذي امتد ليشمل الأدب والثقافة والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
وتابعت: «حتى شعرها كان في دعم الاتحاد، ووقوفها شامخة بأدبها الرفيع لتدعم دولة الإمارات وحضارتها». وأضافت: «لقد عبّرت الشاعرة عوشة بنت خليفة تعبيراً صادقاً عن المرأة الإماراتية ذات المشاعر النبيلة والراقية، خصوصاً، في زمنها، حيث كان هناك حظر اجتماعي على أن تقول المرأة الشعر، ولكنها استطاعت أن تكسر هذا الحظر، وتخرج بصوت المرأة وتعبّر عن إنسانية المرأة وحبها وغزلها وعشقها وانتمائها وهويتها».
واختتمت:« لقد عبّر شعر عوشة بنت خليفة السويدي في المائة عام التي عاشتها عن جميع القيم الصحراوية والقبلية والمدنية والحديثة والتي ستبقى ذاكرةً ومستقبلاً».
بو سليمان: مدرستها الأولى
يقول الشاعر والراوي سيف بو سليمان: «الشاعرة الإماراتية عائشة بنت خليفة بن الشّيخ أحمد بن خليفة السويدي، هي الشاعرة التي انقادت لها عصيّات الألفاظ المسوّمة، وسلس لها قياد المعاني المحكمة، كانت تعرف سابقاً بلقب «فتاة الخليج»، واختار لها لقب «فتاة العرب» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بعد تكريمها وتقليدها وسام إمارة الشعر في عالم الشعر الشعبي في عام 1989. وهي، رحمها الله، من رواد الشعر النبطي في الإمارات، وكانت مولعة بأشعار الشعراء النبطيين، وعلى رأسهم ابن ظاهر الماجدي، شاعر الإمارات، وراشد الخلاوي، شاعر الجزيرة العربية، وتحب من الأشعار الشعر الفصيح، وقرأت دواوين المتنبي وأبي تمام وأبي فراس الحمداني».
وأضاف: «ورغم الظروف التي كانت تمر بها المرأة في ذلك الزمن، إلا أنها تمكنت من تعلم القراءة والكتابة، وقرأت بفهم وذكاء، وكان بيت العائلة هو مدرستها الأولى لأنها نشأت في بيت علم وثقافة. وقد تركت لنا إرثاً كبيراً من الأدب والشعر الشعبي الذي سيظل يدرس ويؤرخ كنموذج أدبي ثري شاهد على عصر عاشت فيه».
العسم: مفردات حميمة
يرى الشاعر أحمد العسم، نائب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أن فقدان الشاعرة عوشة السويدي، يعني فقدان الكلمة الرزينة والمعاني الجيّاشة والحسّ المرهف والعطاء الغزير المتألق واللامع، وهو فقدان أيضاً للمفردة الواعية المتمتعة بالدفء والتدفق. وقال إن معظم شعرها موصول بثقافة اللغة العربية الفصيحة التي استقتها من بلاغة القرآن الكريم ومرجعية الشعر العربي العريق المتمثل في نتاجات الشعراء الأوائل البارزين، وإن قراءتها للواقع تنطلق من الماضي وتعبر الحاضر، وتذهب أيضاً إلى المستقبل وتستشرفه وتتحاور في مناخ تأملي ينضح بالحكمة والرؤية العميقة للأشياء والحوادث والتجارب الشخصية والعامة.
وأوضح العسم أنه تأثر بقصائد عوشة السويدي، وأن هذا التأثر في قصائده التي كتبها بالعامية، حيث كان صداها حاضراً ومفرداتها متماسة مع الحميمية والشفافية والمحبة الطاغية التي توافرت عليها قصائد الشاعرة الكبيرة التي تركت أثراً لا يمكن محوه من ذاكرة الشعر الشعبي في الإمارات.
العبدان: حُسن المُشاكاةِ
يقول الكاتب والشاعر الإماراتي علي العبدان: «لقد كانت قصائدها تجمع بين فخامة الألفاظ وجزالتها، وبين الرقة والعاطفة الجياشة المصطبغة بالشجن الجميل في معانيها وموضوعاتها، ويمتاز تناولها الأدبي لمختلف القضايا بالبصيرة والرزانة دون إغفال لنغمة اللفظ ورنين الأوزان والقوافي، وفي رأيي الخاص أعتبرُ عوشة بنت خليفة السويدي من أفضل شاعرات الإمارات في سبك مطالع القصائد بالألفاظ الجميلة والمعاني الجليلة، وكان لها، رحمها الله، قدرةٌ بارعةٌ على حُسن المُشاكاةِ والمُجاراة، ولا أشهرَ من مُساجلاتها الشعرية مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، التي تُعَد الآن ذخيرةً جامعةً لآداب الشعر والخطاب الرفيع، وعزاؤنا بعد هذا الفقد المؤلم في حفظ وتوثيق ودراسة قصائد «فتاة العرب» دراسةً تذوقيّةً جادّة، كي نخرجَ بالقِيَم الجمالية والأدبية التي حرصت الشاعرة، رحمها الله، على التعبير عنها، وسبكت الألفاظ بالمعاني في سبيل ذلك، وعلينا إيصالُ هذا الذوق الرفيع في تلك القِيَم الأدبية إلى الأجيال الإماراتية الجديدة، وهذا هو الإرثُ الأغنى? والأجمل».
الهاشمي: علامة فارقة
قال الكاتب إبراهيم الهاشمي: «إنه لفقد كبير، لأننا فقدنا ركناً من أركان الشعر في الإمارات، لأن عوشة ليست شاعرة عادية، وإنما هي رمز من رموز الأدب والثقافة في الإمارات، وهي من شعراء الدرجة الأولى، وأتمنى من الجهات المعنية التعامل مع سيرتها وإبداعها لتخليد اسمها، مثلاً: إصدار طابع بريدي كذكرى دائمة».
وأضاف: «يتميز شعرها بالحكمة والابتكار اللغوي على صعيد المفردة المطوَّرة، والمعنى الشفاف، والصور المبتكرة، وجزء كبير من شعرها على تماسّ مع حياة الناس اليومية، ولأنها قريبة من حياة أفراد المجتمع، أخذت مكانتها التي انعكستْ من قصائدها، وعوشة السويدي علامة شعرية فارقة على جميع الصعد، وعلى مستوى الشاعرات والشعراء في الإمارات والخليج».
بوجمهور: شجرة الشعر
يشير الشاعر سالم بوجمهور إلى أن الشاعرة عوشة السويدي هي شجرة الشعر الوارفة، وتعتبر مدرسة شعرية ذات قيمة استثنائية في الذاكرة المحلية، واستفاد من أسلوبها العديد من الشعراء المجايلين لها في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كما استفاد من هذه المدرسة الأدبية المتفردة العديد أيضاً من الشعراء الذين برزت أسماؤهم في الثمانينيات والتسعينيات، وأضاف بو جمهور أن الشاعرة عوشة السويدي تستحق الاحتفاء الرسمي، وتستحق أن يشيد لها تذكارات ومنحوتات في مدننا ومؤسساتنا الثقافية، تماماً كما يفعل الغرب مع المبدعين هناك وفي المجالات كافة، خصوصاً أن هذه الشاعرة الكبيرة والملهمة، باتت رمزاً للقصيدة الإماراتية المؤثرة والمتألقة شكلاً ومضموناً.
وقال بوجمهور إن عوشة السويدي كانت تزن ألف رجل، وهي شخصية فذّة، وارتبط اسمها بذاكرته منذ الطفولة، وكانت قصائدها تتردد من حوله، ويسمع أصداءها الرائعة بين أفراد أسرته، ووصفها بأنها كانت «ملكة الكاسيت» في الثمانينيات من القرن الماضي، إضافة إلى قصائدها المغناة من قبل المطربين المحليين في الإمارات التي أضفت زخماً آخر لهذا التفاعل السماعي والملموس مع قصائدها.
أبوشرار: مرجع شعري
وأكد الشاعر راشد أبو شرار أن الإمارات العربية المتحدة، والشعر العربي، افتقدا كوكباً شعرياً، لأن فتاة العرب أضاءت سماء الشعر الإماراتي والخليجي والعربي أكثر من (80) عاماً، وهي ليست شاعرة فقط، بل هي مرجع شعري للشاعرات والشعراء جميعاً، وفقدانها يؤثر على الساحة الإماراتية كثيراً، ولكنها تركت لنا إرثاً كبيراً من شعرها، وسيبقى مخزوناً شعرياً للأجيال القادمة، ورأى أبو شرار أن أهم ما يميز شعرها السلاسة، وطريقة السبك، وصياغة المعنى الإيحائية، وأكد: «قصائدها عقود من اللؤلؤ، ولكلماتها تأثير واسع ودائم، لاسيما على (الأحبة) الذين يحلمون بالالتقاء على إنسانية قصائدها».
الرئيسي: علامة مضيئة
ويقول الكاتب والشاعر حميد الرئيسي: «عوشة بنت خليفة، رحمها الله، تعد علامة مضيئة في تاريخ الأدب الشعبي الإماراتي، فلا يذكر الشعر النبطي في الإمارات إلا ويذكر أسمهان، فالراحلة من أوائل الشاعرات اللائي حملت قصائدهن خصائص الصياغة اللغوية وحسن السبك وعمق المعاني الغنية المشتملة على ثقافة غزيرة واطلاع واسع، اشتهر شعرها بالحكمة، وأجادت في الوصف والوجدانيات والاجتماعيات. ففي نتاجها الشعري توثيق متقن للهجات المحلية والأمكنة والمظاهر الحياتية الاجتماعية المعبرة عن روح وأصالة الهوية الإماراتية. رحم الله الفقيدة وألهم ذويها الصبر والسلوان».
المزروعي: ذاكرة الطفولة
قال الباحث والشاعر الدكتور راشد أحمد المزروعي، إن عوشة السويدي هي الشاعرة الأولى في الإمارات، وكان صوتها حاضراً في ذاكرة الطفولة التي شكلت هوى وهوية أغلب الشعراء الشعبيين اليوم، مضيفاً أنه لم يسبقها أحد في الماضي، ولن يجاريها أحد في المستقبل، لأن الظروف التي كونت تجربتها وصنعت شخصيتها الأدبية، فريدة من نوعها، ولا يمكن أن تتكرر.
ودلّل المزروعي على هذه الفرادة الشعرية من خلال ذيوع اسمها قبل أي شاعر آخر، وهذا السبق يحسب لها ليس لأنها امرأة كتبت الشعر وتجاوزت تابوهات اجتماعية صلبة.
وقال المزروعي إن الكثير من الشاعرات الإماراتيات في مناطق الدولة المختلفة، ظهرت أصواتهن فجأة، واختفت كذلك فجأة، ولكن عوشة السويدي حافظت على حضورها وعلى إيقاعها الفني المتصاعد، وطورت تجربتها ولم تستسلم لضغط الظروف وتحولات الزمن.