الأربعاء 29 نوفمبر 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الذاكرة الانتقائية للسيد جريجور

الذاكرة الانتقائية للسيد جريجور
25 نوفمبر 2019 02:15

1- مرافقة الأعمى
«استيقظ جريجور؟»
اندلع صفير حاد، ودندنت مقطعاً من آلام المسيح لهاندل، بينما شتم المحصل أطفال رجَّته بمكانه، أسمع صوت تقليب لصفحات تربكني، نهشني الفضول فسألت: قالت إنها رواية لجون جريشام. لا أتيقن حقيقة من صحة روايتها. ربما تقول ذلك لتريحني، من يمكنه أن يخبرني. لا أملك شعوراً آمناً تجاه الحقيقة، أسألها عن الجو بالخارج. تقول إنه صحو. لا أملك الملكة الكاملة للقراءة بطريقة برايل، كنت قد أخذت من صديق عرفته كتاب المثنوي للرومي، أكثرية الحديث عن تمزيق الأثواب والدنس والروح. مللت من كمية الأقوال المتتابعة التي تشبه دعاية سيئة لترزي. بتذمري، كانت قد بدأت تعقص علكتها بفكها، كنت أتمتع بهدنة نفسية قبل أن أدخلها بحياتي، قبل أن أجعلها بؤبؤاً لعيني أرى به. كنت مسالماً، فرحاً بمعاناتي الوحيدة التي لا تكلف أحدهم العناء. قامت لتعدل مكياجها، انتهزت الفرصة لأسأل من أمامي عله يجيبني، قال إن الرواية تدعى «العميل» لجريشام. ربما اتفقت معه على هذه التمثيلية الخائبة، تذهب هي للتواليت وقبلها تهمس لمحدثها بأن تخبره أن يخبرني بما تريده. المشكلة الواقع بها لن تنتهي. لن أهدن بغير أن أجد الحقيقة. أقوم من مقعدي أسحب عصاي، أتخبط بردهة القطار الضيقة التي تسعني والعصا بالكاد. أتخطى أول كابينة ثم أتخبط بها، سألتني إلى أين كنت أمضي. قلت لها: للتواليت. مثلك.
هزتني من كتفي «أنت لا تصدقني. يمكنك سؤال كل من بالقطار. لن يزيد جوابهم عما قلته لك»!
غلبني الخجل، لم أكن بحاجة للذهاب، جرتني لمقعدي، وقتها سمعتها تطرق النوافذ، كانت بهذا الوضوح، كانت الأمطار.
2- إيجاد النسخة المطابقة %100 :
«استيقظ جريجور سامسا ليجد نفسه. ليجد نفسه»..
بيوم من أيام الآحاد، كانت تجلس لجواري، تقرأ كتاباً للفلسفة، لاحظت أنها ترفع يديها لتعبث بشعرها كل دقيقة. نهشني الفضول لأسأل من الأحمق الذي كتب هذا.
«قامت فلسفة أفلاطون على المثلية» المثلية، متأكدة؟ المثالية على ما أظن! الطباعة السيئة أسقطت ألفاً. لكانت بذلك المدينة النجسة القائمة على رجل، ربما لم يبق فيها أحد. وارتحنا. تكلمنا بعدها عن «الكوميديا الآلهية» لدانتي، وجحيمه الحشْرِي للخلائق، فلسفة ابن حزم، مقطوعات من شعر جوته، وأخبرتني أنها تحب فيروز، وسألتها السؤال الذي وجب علىَّ سؤاله منذ وقعت عيني عليها «هل تحبين كافكا؟».

3- السيد الذي يجمع سيرة القطط، والسيدة التي تربيها:

«استيقظ جريجور سامسا ليجد نفسه قد تحول إلى. إلى...»!
جلس إلى ظل ونام على كنبة، واستيقظ ليجد نفسه محوطاً بالقطط، من تصوره السابق أنها تستهويها العيون. بصغره كان خياله يعبث به بأن البشر المهجورين الذين لا يحبهم أحد يتحولون إلى قطط ليلاً، ويعودون لطبيعتهم البشرية نهاراً، حتى أتت السيدة فجنحوا نحوها وتحلقوا، وبيوم لحظت قطاً جميلًا، لا أعلم لمَ كان ينظر لي هكذا.

4 - السيد ناكاتا
لا يهوى الحنكليس:
«إلى حشرة»
-ماذا يمكنني أن أقدمه لك يا سيدي؟
- ماذا عندكم الليلة؟
- الحنكليس. لا شيء سوى الحنكليس.
- السيد ناكاتا لا يهوى الحنكليس.
- ربما يمكنني أن أجد لك شيئاً آخر، سيدي.
- أرجوك لتفعل. فالسيد ناكاتا لا يهوى الحنكليس.
- سيدي. أنا أسف وفي حرج بالغ، لم أجد غيره بالمطبخ.
- ساكي. تشرب ساكي. سيد ناكاتا. اثنان ساكي.
- تحت أمرك سيدي. وبعد؟
- أنا سأكل ولكن أنت تعلم بأن السيد ناكاتا لا يهوى الحنكليس.
- بعد ربع ساعة سأستدعي العربة.
- بالطبع. فأنت تعلم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2023©