دينا محمود ووكالات (لندن)
بعد مرور نحو 6 أسابيع على انطلاق الحراك الاحتجاجي واسع النطاق في لبنان، حذّر خبراء اقتصاد غربيون من أنه ربما بات يتعين إعادة هيكلة الديون اللبنانية، البالغة زهاء 100 مليار دولار، ليتسنى الوفاء باحتياجاته الأساسية من الواردات، لافتين إلى احتمال «تآكل» احتياطيات بيروت من العملة الصعبة خلال شهور.
وأكد مصدر مالي مطلع أن لبنان سدد سندات دولية قيمتها 1.5 مليار دولار استحقت، أمس، فضلاً عن قسيمة العائد.
وكان يُنظر إلى السداد على أنه اختبار لقدرة لبنان على الوفاء بالتزامات ديونه في وقت تنوء فيه البلاد بأحد أكبر أعباء الدين في العالم وتعاني أزمة اقتصادية حادة.
وكان البنك المركزي قال في وقت سابق إنه مستعد لسداد استحقاقات السندات الدولارية عند حلول أجلها بهدف حماية الاستقرار المالي للدولة.
وقبيل السداد، كان يجري تداول السندات قرب قيمتها الاسمية، وهو ما عكس توقعات السوق بأن الحكومة ستفي بالتزاماتها. وعلى النقيض، فإن كثيراً من السندات الدولية اللبنانية الطويلة الأجل يتم تداولها بأقل من نصف قيمتها الاسمية، مع قلق المستثمرين من مخاطر أزمات محتملة.
وقال جيسون توفي، كبير محللي الأسواق الناشئة لدى «كابيتال إيكونومكس»: «إن السداد سيضع المزيد من الضغوط على الاحتياطيات المنهكة بالفعل، حيث لا تكفي لتغطية احتياجات لبنان التمويلية على مدى العام المقبل والبالغة 100 مليار دولار».
واعتبر فاروق سوسا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «جولدمان ساكس»، أن سداد استحقاقات السندات الدولية يستنزف احتياطيات النقد الأجنبي.
وارتفعت تكلفة التأمين على الدين السيادي اللبناني من مخاطر العجز عن السداد بأكثر من المثلين منذ اندلاع احتجاجات في الشوارع في 17 أكتوبر.
وفي تصريحات نشرتها صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أوضح محللون أن تواصل الاحتجاجات، التي يندد المشاركون فيها بالفساد وتفاقم البطالة والتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية، قد لا يجعل بوسع لبنان مواصلة سداد الديون التي سيشكل حجمها بنهاية العام الجاري قرابة 155 في المئة من إجمالي ناتجه المحلي.
وأضافوا: «إن على السلطات الحاكمة في بيروت إرجاء دفع أقساط ديونها وخذلان المستثمرين» في الوقت الراهن، مشيرين إلى أن «الدين اللبناني تراكم بفعل زيادة الإنفاق الحكومي عن حجم عائدات البلاد، وتقلص حجم تحويلات المغتربين».
وبلغت نسبة العجز المالي خلال العام الماضي 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وحذرت الصحيفة من أن التظاهرات الحالية يمكن أن تفضي إلى توقف عجلة النمو الاقتصادي، واستنزاف احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي، مشيرة إلى أن ذلك يجعل من الأجدر على السلطات اللبنانية «أن تطلب من دائنيها قبول تأخرها في دفع الأقساط، أو تقليص قيمة القسط الواحد منها لبعض الوقت».
وأبرزت في هذا السياق تأكيد كميل أبو سليمان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال الحالية في بيروت على أن بلاده في وضع جيد نسبياً في ما يتعلق «بالتفاوض على جدولة ديونها».
وبحسب التقرير، لجأ الاقتصادي المخضرم رياض سلامه، الذي يقود البنك المركزي اللبناني منذ أكثر من ربع قرن، طيلة هذه السنوات إلى تبني استراتيجيات متنوعة ومعقدة «تشمل تبادل الأصول مع المصارف التجارية في لبنان، من أجل مساعدة الحكومة والقطاع المصرفي» على تجاوز الأزمات الصعبة.
لكن «فاينانشال تايمز» أشارت إلى أن كثيراً من الخبراء الاقتصاديين يتخوفون الآن بشكل متزايد، من أن هذه الاستراتيجيات لم تعد كافية، خاصة بعد أن استحدث مصرف لبنان المركزي في أكتوبر الماضي، آلية لتسهيل الحصول على دولارات لاستيراد الاحتياجات الرئيسة.
وأشاروا إلى أن هذه الآلية أدت إلى تسريع وتيرة تآكل احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، لتتراجع بواقع 900 مليون دولار تقريباً خلال الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري.
وأكدت على أن استمرار المعدلات الحالية لهذا التآكل يعني نفاد تلك الاحتياطيات بحلول منتصف عام 2020، وذلك بحسب دراسة تحليلية صادمة كشف عنها «بنك أوف أميركا» النقاب الأسبوع الجاري.
وقالت الدراسة: «إن الإجراءات الاستثنائية التي يتخذها مصرف لبنان المركزي وغيره من المصارف اللبنانية خلال الأزمة الراهنة، لن تفيد سوى في شراء مزيد من الوقت على حساب تقلص النشاط الاقتصادي في البلاد».
ويشير محللو «بنك أوف أميركا» إلى الجهود المبذولة لـ«تقييد عمليات السحب النقدي من المصارف (اللبنانية) بالعملات الأجنبية».
ورغم أن مصرف لبنان يؤكد أن احتياطياته من العملة الصعبة تناهز حالياً 30 مليار دولار، فإن المحللين يؤكدون أنه سيكون من الصعب على المصرف الاستفادة من هذا المبلغ كاملاً.
وكشفت وكالة «موديز» العالمية للتصنيف الائتماني، قبل أيام، أن «حجم احتياطي العملة الأجنبية، الذي يستطيع المصرف المركزي اللبناني التصرف فيه، صار يتراوح ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار». وأشارت إلى أن مدفوعات خدمة الدين الخارجي لهذا العام ستبلغ 6.5 مليار دولار.
عون: الوضع الراهن لا يحتمل الشروط
أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، أن الوضع الراهن في لبنان لا يحتمل شروطاً وشروطاً مضادة، مطالباً الجميع بالعمل من أجل الخروج من الأزمة الراهنة على نحو يحقق مصلحة اللبنانيين، ويساهم في حل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وقال عون، خلال استقباله في بيروت الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي: «إنه يواصل جهوده لتحقيق تفاهم حول الحكومة الجديدة».
وأشار إلى أنه يؤيد غالبية المطالب التي رفعها الحراك الشعبي، لأنه سبق أن قدم اقتراحات قوانين لتحقيقها، ولاسيما ما يتصل منها بمكافحة الفساد وتفعيل الإصلاحات ومنع الهدر ورفع الحصانة عن المرتكبين وغيرها، لافتاً إلى أنه دعا المتظاهرين أكثر من مرة للحوار معهم وسوف يواصل مساعيه لإيجاد الحلول المناسبة للأزمة.
ولفت الرئيس عون إلى أن الدعم العربي للبنان يجب أن يُترجم في خطوات عملية، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي، والذي نتج في جانب منه بسبب تدفق النازحين السوريين إلى لبنان والذين بلغ عددهم مليوناً و900 ألف نازح، مشيراً إلى «عودة نحو 400 ألف نازح وبقي مليون و500 ألف نازح».
وقال: «إن المساعدات التي ترد للنازحين غير كافية، وهو ما ترك انعكاسات سلبية على الواقع الاقتصادي اللبناني».
ومن جانبه، قال السفير زكي: «إن الهدف من زيارته والوفد المرافق له هو الإعراب عن دعم الجامعة العربية للبنان والاطلاع على حقيقة الأوضاع الراهنة فيه، وتأكيد التضامن معه والرغبة في المساعدة في المجالات كافة».
وأضاف زكي، في تصريح بعد اللقاء: «إن لبنان بلد مهم ومؤسس في المنظومة العربية، والتطورات فيه تهمّنا جميعاً، وتهم العرب وهي دائماً لها تبعات وارتدادات ومنها إقليمية، وبالتالي، فإن النظر إلى هذه التطورات يكون دائماً محلّ اهتمام واعتبار».
إضراب مفتوح لمحطات الوقود
بدأ أصحاب محطات المحروقات في لبنان، أمس، إضراباً مفتوحاً، فيما أكد جورج البراكس المتحدث باسم محطات المحروقات، أن «الإضراب سيكون مفتوحاً، ولن يقتصر على 3 أيام فقط، نتيجة الأوضاع التي وصلنا إليها».
وأشار البراكس، إلى أن تفاقم الخسائر التي يتكبدها أصحاب المحطات، نتيجة تراجع قيمة الليرة أمام الدولار.
وأضاف: «إن عدداً كبيراً من أصحاب المحطات توقف عن توزيع المازوت، لأنّ بيعه خسارة، أمّا بيع البنزين فكان مستمراً حتى الأمس، تلبيةً لرغبة زبائننا».
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن كثيراً من المناطق شهدت تكدساً أمام محطات الوقود، خلال الساعات الماضية، بسبب تهافت المواطنين عليها، لتعبئة مركباتهم قبيل الإضراب.
لجنة برلمانية ستقر الموازنة بنهاية السنة
أفاد إبراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة بالبرلمان اللبناني، أمس، بأن اللجنة ستقر موازنة 2020 بنهاية العام، وسيتعين على الحكومة المقبلة تبنيها، بينما تتطلع البلاد إلى كسر الجمود السياسي وانتشال نفسها من الأزمة.
ويكابد لبنان أوضاعاً اقتصادية هي الأسوأ في عقود، وسط احتجاجات أجبرت رئيس الوزراء سعد الحريري على الاستقالة في 29 أكتوبر الماضي، وهو ما أوقع البلد في أزمة سياسية.
وقال كنعان: «إن على اللجنة أن تسارع إلى إقرار الميزانية الضرورية لاستعادة الثقة في البلاد مع أخذ الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الحسبان». وأبلغ مؤتمراً صحفياً بثه التلفزيون: «قبل نهاية الشهر المقبل، شهر الأعياد نكون قد أنهينا النقاش وإقرار موازنة 2020، والحكومة الجديدة لا يمكن ألا تتبنى هذه الموازنة لأنه عندما تُقر هذه الموازنة تصبح قانوناً».
وقال الحريري، الأسبوع الجاري: «إنه لا يريد أن يتولى رئاسة حكومة جديدة». ولا يوجد مرشح واضح لتشكيل حكومة بينما تتعمق الأزمة في البلاد من دون وجود أية إشارة إلى بدء الاستشارات النيابية لاختيار رئيس وزراء جديد. ويحتاج لبنان إلى تشكيل حكومة جديدة لتطبيق إصلاحات اقتصادية طارئة يمكن أن تقنع المانحين بتقديم مساعدات بنحو 11 مليار دولار كانوا تعهدوا بها خلال مؤتمر العام الماضي.