أمصال الداخل مطمئنة، وأرقام الخارج مرعبة، ورغم كل ما يتم بذله في بلادنا، ورغم السعي الحثيث لإزالة آثار عدوان «كورونا»، وما تبعه من مخاوف، وجزع، وفزع، فإن المصحات الغربية التي تفيض بالمصابين تجعل الإنسان أكثر حذراً، وأشد التزاماً بالوسائل الاحترازية، الأمر الذي يجعل المشاعر الساخنة تجاه الأحباب والأصحاب تفتر تحت نسمات الطقس البارد، وهي الهفهفات النبيلة التي ينضح بها فصل الشتاء في الإمارات.
ما فعلته «كورونا» في العالم لم تفعله جل الحروب البشرية الكارثية، لأن تلك الحروب طوت عباءتها وتوارت خلف الحجب الزمنية، بينما «كورونا» على الرغم من شعوره بالهزيمة أمام عزيمة المخلصين، إلا أنه ترك في الأعماق جروحاً دامية، وقروحاً تسيل منها مشاعر أشبه بنشارة الخشب، تؤذي الروح، وتعرقل تحليقها في فضاءات العلاقة مع الآخر، وبخاصة مع الأقربين، والمقربين إلى القلب، ولكن ومع كل هذه الإرهاصات العاطفية، يبقى هناك الأمل، وتبقى الإرادة في إعادة ما تبعثر إلى نصابه الصحيح، وغسل الإناء من بقايا ونفايات، لكي تستمر الحياة، ولكي يستعيد الوجود نضارته، وبريق عيون الطير، وجمال الأزهار فوق الشجر، وحلم العشب بأن يكون غابة للدفء، وموئلاً لأجنحة باتت في شوق إلى الدفء، وصارت في لهفة لشراشف اللقاءات الحميمة.
«كورونا» سيذهب إلى زوال لا محالة، ولكن الذي نريده ونتمنَّاه هو الزوال الأسرع، لرجفة الجفون، وخفقة الأفئدة التي خلفها هذا الوباء اللعين.
في الإمارات تبدو المكونات الجمالية وافرة، وزاخرة، وهي بواسطتها نستطيع أن نحيد كل ما يخيف، ويثير الشك، والإمارات بذكائها الإداري تستطيع أن تردع كل ما يرهب، وتدفع كل ما يرعب، وتمنع عن القلوب كل ما يعرقل فرحها، لأننا حقيقة نعيش في وطن يجيد في صناعة الفرح، كما يجود في إبداع القصيدة، نحن حقيقة في منأى عن كل ما يحبط، ويثبط المعنويات، فقط كل ما نتمناه هو أن يكون كل من يعيش على هذه الأرض، بمستوى المسؤولية، وأن يتحدى نفسه، ويخرج من شرنقة الامتعاض، ليصل إلى واحة الآمال العريضة، ليصل إلى مشارف الحقيقة، ويقول لنفسه يجب أن أتلقى اللقاح، لأنه السبيل الوحيد للظفر بصحة لا تشوبها شكوك، ولا مخاوف من مرض.
نحن قادرون على تلافي هذا الخطر، ونسعد بأجواء باردة، وعواطف ساخنة.