تجملنا في أنفسنا هذه المرة، و«شرّغنا عمارنا»، خاصة وأنها السفرة الأولى بعد طول المكوث، معتقدين بما ملكنا سابقاً من خبرة طويلة في التنقل والترحال والتجوال أن الأمور على حالها، حين كنا نأتي للمطار عجلين في آخر ساعة، ونجلس في قاعات السفر المريحة محفوفين بتلك الخدمات والمقبلات والمشهيات، والواحد منا، قال يعني بس يتطاعم من كل شيء طرفه، لأننا كنا نتكل أيضاً على الأكل الفاخر المقدم في المقصورات الغالية، لكن في هذه السفرة الأولى، وخوفاً من تلك الربكة والإجراءات والاحترازات، ذهبنا مبكرين للمطار بقرابة ثلاث ساعات، مثلما كان يفعل أهلنا الذاهبون للحج، تلقى «شنطهم زاهبة» من الصبح، وهم بعد الغداء «والمين» وجاهزين، رغم أن طائرتهم في الليل، المهم سوينا مثلهم، وتوجهنا لتلك القاعة التي «يحاضونك ويراعونك ويدقون لك الماء»، لكي تكون راضياً، ورغم أنهم ماقصروا فينا، لكن قضينا ساعة ونصف، صحيح كنا جالسين، لكن الإجراءات وتعبئة الأوراق، وتنزيل بعض المواقع الصحية، واشتراطات لا دخل لهم فيها، هي متطلبات كل دولة.
ركبنا الطائرة بعد طول انقطاع، وإذا بالمضيفة أشبه ما تكون بممرضة مبتدئة، وهناك زيادة في الوزن ملحوظة، قد تعيق انسيابية حركتها، ولثامها عليها، بحيث ما بانت تلك الابتسامة الطباشيرية المعتادة، والتي تستقبل بها ركاب المقصورات الأولى خاصة، حاولت التصنع ورسم ابتسامة تبدو غير رضية من خلال عينيها، جلسنا على كراسينا لوحدنا، فالمضيف الذي يشبه ممثل كومبارس في مسلسل تركي قديم، والذي لا تعرف ما يصنع وهو يراجع أوراقاً في يده لا تعنينا بالتأكيد، ويتظاهر بأنه مندمج في عمله، جعلنا نترحم على الأيام الخوالي، جلسنا في المقصورة والتي بدت لي أنها تقلصت بعض الشيء، والكرسي صغر حجمه لصالح لا أحد، لا جريدة ولا مجلات وصلت، والتي كانت تزفها عربة سابقاً، لا وجود لعصير ترحيبي، ولا أحد يأتيك يسأل ماذا تحب أن تستمتع من أكل وشرب بعد إقلاع الطائرة، وزمان كان «الشيف» بنفسه يشاورك ويقترح عليك أكلات لا تعرفها، لكنك تقبلها بهزة رأس، دليل المعرفة والفهم، جيء لنا بأكل أقرب لأكل مرافقي المرضى للعلاج في الخارج، ولو غصيت بلقمة لن تجد ما تشربه، غير ذاك الكأس البلاستيكي الصغير الذي لا يكفي رضيعاً، لا تسلية غير تلك الأفلام القديمة، ولا أحد يطوف بك، ويسأل، ويمازح، حتى حين صحونا من النوم لم نجد فنجان قهوة، ولو كان فاتراً، تملكك العجب حتى التعليق عجزت عنه، لأن الصمت إزاء تلك الحالة أفضل وأبرك، ولتذهب بدهشتك الجديدة، المشكلة أنه بعد وصولنا بحمد الله وسلامته أرض المطار في تلك البلد، ونحن متحزمين بأوراق «الشنتار، والبي سي آر»، ومنزلين أكثر من موقع صحي، وتأمين صحي، وشهادة خلو من الأمراض المعدية، لم يسألنا أحد عن كل تلك الربشة التي نحملها، فاعتقدنا أن هناك خطأ ما، وبقينا نتلفت يمنة ويسرة، ونعرض على موظف الجوازات أوراقنا التي تركها في «حجالنا» قائلاً: «well come back again»!