حين يحكمني اختياري للصمت في زمن ضجت به الطرقات وشبكات الاتصال الاجتماعي على مدار السنين، ويتكور كلامي في الصمت كرذاذ حجرٍ تفتت تحت قسوة المطارق، تجف أنهار خيالي فلا الحجر الذي تطوّحُت به حسرات الأماني، ولا الماء يذيب الحجر.. وحين يعتم المساء ويرمي بثقل وطأته على روحي ولا ينبض القلم الذي توارى قسراً وقيل تطوراً، خلف أحرف لوحة المفاتيح.. وحين الورق المنطوي لا ينبسط ولا يحتضن النقش على صفحته بالحبر الذي جف، وبهت قلم الرصاص الذي كنت أنقش به منذ زمن بدايات شغفي بكتابة الشعر والمقالات والمذكرات التي توحي إليّ بها الأسفار والكتب التي تراكمت على مدار السنين في الغرف التي أستكين إليها.. وعندما لا تلوح لي غيمة في سماء مليئة بالدخان الذي أقحلها تغير المناخ بسبب قسوة اختراقات الإنسان على فيض الطبيعة وطبائع الكائنات.. وحين لا يساورني الظن باشتعال شمعة أو بغبش شفيف أقول هذا هو طريق الخروج من العثرات الذي قد يوقظ الأحلام أو يستفيق الشعر من غفوة اليأس والنسيان.
لكن حين يبرق الوميض من جهات الروح وعمقها التي قالت لها الخيبات انطفئي، حلقتْ كمن مسّهُ لظى وصوّحهُ هجير الأماني التي اختبأت في خفايا المجهول.. وحين لا يبقى في البيت سوى صرير الصمت حين غادره الأبناء إلى مآربهم البعيدة، ولا يبقى فيه سوى مفتاح أصابه الصدأ من شدة النسيان، أؤوب الى دفتري الذي اصفر من شدة الهجران فتناوشني الكلمات وتناوئني كي أعيد نقشها على صفحته التي اشتدُّ عليها لجام أجهزة هذا الزمان.. وحين أضع الأقفال على مخارج الكلمات ومداخلها واحداً تلو الآخر وأجعل كل التفاصيل الصغيرة ومضمونها قد لاتحتمل المعاني التي تشي في خفائها، فأين أهرب مما تشتعل به الروح وتضج به الأعماق في اصطخابها؟.
حين اسأل محيطات البحار التي أغضبها اختراقات البشر أن تصير أمطاراً غزيرة ترشنا بوعود الخير من كيمياء الطبيعة، أو تصير غديراً بمساحة الكف نلهو به كما كنا أطفالاً، أو قطرات ماء نجمعها في قوارير الفخار التي كانت قديماً نرتوي بها من الظمأ على مدار الأيام، لكنني وفي هذا الزمن ينبغي عليّ أن لا أرى أبعد من ظفري، ولا أحدق ولا أتامل وأبحر في عمق الوجود وتجلياته، ولا أتطاول أبعد من شبرٍ أخطو به على طرقات حياتي، حين كل هذا أنقش أحرفي لتضيء لي الطريق !!