كانت الصرخة الأنثوية المدوية في الأرجاء الأربعة، غير صرخة الولادات المتعثرة قبل ما يزيد على 200 عام، بإطلاق صهيل الاحتجاج والنصر المؤنث، لم يأت الأمر ببساطة أو عبر باقة ورد، كان طريقاً ملؤه الشوك والنّضال من أجل تثبيت حقها إزاء الواجبات الكثيرة التي تقدّمها للمجتمع الذي كثيراً ما ظلمها عبر تاريخ طويل للمسيرة الحضارية، تفاوت هذا الظلم وتباين حسب درجات النور والظلمة، ففي عهد النور كانت المرأة ثائرة ومناضلة ومعلّمة وحاكمة، وحتى متمرّدة ضد جمود النص وانغلاق التفكير، وفي عهد الظلمة كانت المرأة هي الموؤودة والمستعبدة والجاهلة، وتلك التي تباع في سوق النخّاسين. في القديم كان المجتمع ينقسم إلى معسكرين، معسكر الذّكورة الطاغي، الآمر، الناهي، المتصرف، ومعسكر الأنوثة المتلقّي المطيع، المنفّذ، والمتظلّم، لكن اللمسات الإنسانية التي وضعتها الحضارات المختلفة جعلت النظرة الذّكورية تخفّف من وطأة تسلّطها، وجعلت النظرة الأنوثية تجهر بدعوتها وتتخلّص من فكرة أن المرأة جسد، وجسد فقط، وتقر بكينونة هذا المخلوق الجميل الذي طالما أدّى دوره في المحافظة على الجنس البشري، وطالما كان المربي، وباعث الحياة في الأشياء التي من حولنا، وباعث الأمل والدفء واللون الجميل في يومنا. بدأت المرأة عالمها التحرّري الحديث عام 1820 في مصنع للخياطة في «نيو إنجلند» الأميركية حين أضربت النساء العاملات مطالبات بساعات أقل من العمل، يومها لقين الاستهزاء، وعدم تلبية رغبتهن، لكنها كانت شمعة في طريق طويل مظلم، وفي 1834، أضربت العاملات في مصنع القطن «لويل». كانت هذه الإضرابات، وإن لم تؤت ثمارها في ذلك الحين، إلا أنها أسمعت العالم صرخة احتجاج أنثوية، وتظلماً طالما كان محبوساً خلف جدران البيوت. عام 1844، أُنشئت أول جمعية نسائية في أميركا، بعدها تم إنشاء الاتحاد الوطني النسائي عام 1900. لقد ترافقت حركات التحرّر النسائي مع الدول الأوروبية والدول الاسكندنافية بالذات، حيث عقد عام 1910 في «كوبنهاجن» أول مؤتمر نسائي عالمي، وتلته فيما بعد ثلاثة مؤتمرات دولية أخرى، لكن الأمم المتحدة تأخرت في الاعتراف بيوم المرأة إلى عام 1977، رغم أن وثيقتها التي أُقرت في «سان فرانسيسكو» عام 1945 تؤكد أن: «المرأة والرجل متساويان..».
بالنسبة لليوم، الثامن من مارس كعيد أو يوم للمرأة العالمي، فقد أجمعت عليه معظم النقابات والمنظمات النسائية في العالم بعد أن أقروا الثامن من مارس، كحدث تاريخي لوعد ملك بروسيا (ألمانيا) بحق المرأة في الانتخابات عام 1848، واختيرت لهذا اليوم ثلاثة ألوان: الأخضر والأبيض والبنفسجي تقديراً لما قامت به نساء بريطانيا حين طالبن بحقّهن في الانتخابات عام 1908، وكنّ يحملن هذه الألوان الثلاثة: الأخضر تعبيراً عن الأمل، والأبيض للنقاء والصفاء، والبنفسجي-كعادة هذا اللون الجميل- للعزة والكرامة والاحترام.
لأم الشيوخ.. لأم الجميع.. سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، باقة من ورد أكثر لشخصها، ودورها الكبير، وعملها الجليل في تبني الأفكار النهضوية والتنويرية والحضارية لرفع شأن المرأة في بلادي.. وللنساء في يوم عيدهن وفرحتهن، أماً وأختاً وزوجة، عمة وجدة وخالة باقة من ورد وعطر لصبرهن الطويل على الرجل، ومن أجل الرجل، هو يوم تتويج تاء التأنيث، والاعتذار منها بأثر رجعي عن آثار رجعية جمع المذكر السالم، وغطرسة فحولته، والاعتراف بقوة المرأة وصلابتها في مواجهة الحياة، وإعانة الرجال في طلب ونشدان المُحال!