الكلمات كائنات حية تنبض في وجدان من ينطقها، ولكن في أحيان تفقد الكلمات الرمق، وتخسر الرونق، ويغيب عنها البريق لأن أشخاصاً بعينهم تختل لديهم بوصلة التواصل، فتنحرف الكلمات عن معناها، وتبدو مثل الحشرات الشائخة تبحث عن ملاذ آمن لتحفظ الود بينها والحياة، ولكن هذا الأمل،
لا يحدث عندما تشيخ الأشياء، فإنها تفتح نافذة على الموت، وتصبح العلاقة مع المحيط المطوق لهذه الكائنات مثل الأسلاك الشائكة التي تعرقل الخطوات لتحقيق الطموحات والآمال المنشودة.
في رمضان يحدث اليوم ما يشبه تلك العرقلة لأن الكلمات أصبحت مثل الصخور على الشفاه فلا تنزل من على سلم الحديث إلا وتحفر جروحاً دامية في وجدان الآخر، وذلك لأن مشاعر الناس تعجرفت، وتصلبت، وصارت مثل نشارة الخشب، وصار الناس مثل أموات تأخر دفنهم، في رمضان وكعادة في هذا الشهر الكريم، تهش قلوبهم، وتترقرق نفوسهم، وترهف أرواحهم، ويبدون في الوجود مثل سحابات مشبعة بالعذوبة؛ لأن شهر رمضان ليس شهر جوع، وعطش بقدر ما هو شهر فيه يستعيد الإنسان ذاته التي ربما تعاقبت عليها تراكمات الحياة اليومية، وما يساورها من اختلاجات، وغبار، وسعار، في هذا الشهر تتم الصيانة العامة لهذه الآلات المعطوبة بفعل الزمن، ويتم تنظيف تلك الضلوع المرهقة بفعل اللهاث، وتعب المسير عبر ممرات، وشعاب، وهضاب.
وأول ما يتم علاجه في هذا الشهر هو اللسان، هذه القطعة اللحمية التي إن ساءت ولحقها العفن، تحولت إلى أداة سامة من الممكن أن تلحق الأذى بصاحبها قبل أن تلحق الألم بغيره.
في رمضان نسمع ألفاظاً بذيئة، وكلمات نابية، تفجر الصخور التي في الجبال لأن الناس لا يعون ما معنى بناء العلاقة مع الآخر، ولا يستوعبون كيف نستفيد من رمضان كفترة استراحة، ونقاهة بعد عناء سفر طويل في محيطات العلاقات اليومية، وما داخلها من شوائب، وملوثات اجتماعية.
نحن بحاجة إلى مصفاة رمضان في كل وقت، وكل ساعة حتى نبني إنسانيتنا على أسس روحية منقاة من الدنس.