في العالم أينما تولّ وجهك، تجد يداً بيضاء من غير سوء ممتدة كأنها الشجرة بأثمار الحياة، هذه هي فطنة المشاعر الفيئة التي ملأت قلب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته.
فاليوم عندما نجد الإمارات تسكن القلوب، وتستوطن المشاعر، وتخلب الألباب، وتمتلك العقول، إنما هي وليدة الفكرة الأولية، فكرة الشيخ زايد حول علاقة الإنسان بالإنسان، وارتباطه بالوجود كعضو لا يتجزأ من هذا الكل المحيط بنا، والمطوق لأعناقنا كأنه السلسال الذهبي على صفحات زجاجة بلورية مدهشة.
لم ينطلق زايد من نظريات، ولا أيديولوجيات، ولا كتب، بل كانت الطبيعة هي صحائفه التي تلا فيها قيمه النيرة.
وكانت الفطرة مجللة بفضاءات الصحراء النبيلة هي كتابه الذي عثر فيه على أبجدية الحلم البشري، فرتل حروفه، وتناغم مع سيمفونية الشجرة.
ولغة الطير، وأصغى إلى وشوشة الرمال الحمراء، واستمع إلى همس الغافة، ونبس النخلة، كل هذه المخلوقات النبيلة كانت بالنسبة للشيخ زايد ديوان شعر، استقى منه رهافة الحس، ورواية سردت له حكاية العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، ومن هذا الدرس الوافي الكافي خرج زايد الخير بوافر المعرفة، وفيض من وعي، وجزالة من فكر، أسس على أثرها تجربته في الحياة، وصارت مدرسة لم تعنيهم النون وما يسطرون، ومن يعيشون شفف الإبداع، ولهف الحب، وكلف بناء الحياة على أسس التعاون، والتضامن، والتسامح، وفض الاشتباك مع الأنا لتصبح في الحياة نهراً يصب في عروق الكائنات أجمع، والأعراق، وأجناس، والثقافات من دون استثناء، كون الإنسان عضواً في المجموع، وجزءاً من الكل.
هذه هي السجية التي انطلق منها الشيخ زايد، وهذه هي القيم التي جعلته في العالمين قمراً لا يطفئ أنواره، ونهراً ولا يخفي عذوبته، وغصناً سامقاً يطال عنان السماء حتى لا مس لب النجمة، وصافح خد الغيمة.
زايد زاد في الخلق أخلاقاً، وكرس في الخلق مبادئ، وزرع في ضمير العالم شجناً، وحنيناً دائماً إلى الحياة الصافية وعفوية العلاقة بين بني البشر.
لم يكن سياسياً، بل كان صانع سياسة، وباني حضارة، ومنجز تاريخ، مؤسس منهج حياة، هو كل ذلك، ولذلك كان زايد الشخصية الاستثنائية، والأخلاقية التي بسطت نفوذها على وجدان الناس جميعاً من دون استئذان.
زايد وضع لبنة الحلم الإماراتي، وشيد حصن الوطن، ونسج خيوط وحدتنا بأنامل من ذهب، وسطر في صفحات التاريخ اسم وطن لا يشبهه إلا هو.
زايد وضع الإمارات على خريطة العالم، بفخر، وعزة وجلال، وقوة، وشيمة وقيمة، واليوم عندما يذكر اسم هذا البلد، تنحني له الرايات، وتنثني الغصون، وتهش القلوب، وترق الأرواح، لأن اسم الإمارات مرتبط باسم زايد، ولأن اسم زايد عقد الزمرد في عنق كل مواطن ومقيم على هذه الأرض.
رحم الله زايد، وأسكنه جنات الخلد.