فلسفة القوة هي فلسفة بشرية منذ أن نزل الإنسان من فوق الشجرة وسار على قدمين يبحث عن فرائسه، ويجابه المفترسات.
وقد خاب ظنّ الإنسان عندما علم بعدم صدقية نظرية بطليموس، عندما أعلن كوبر نيكس عن اكتشافه بأن الشمس هي مركز الكون وليس أمنا الأرض.
لقد كانت الصاعقة كبيرة والصدمة أصابت من الإنسان مفصلاً عميقاً، مما جعله يبذل كل ما بوسعه ليواجه التحدي بضراوة وشجاعة وبسالة، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقائق الدامغة التي تدل على أن كل ما يبذله الإنسان ليس إلا خدعة بصرية، وأن هذا الإنسان يبقى الحلقة الأضعف مقارنة بظواهر كثيرة تحدث في هذا الكون ومن بينها ظاهرة المرض.
عندما تصاب بالمرض، أو يصاب قريب من نياط القلب تتغير المعادلة، وبسرعة فائقة تهرب تلك الأنا الضخمة وتتوارى خلف حجب داكنة، تجعلك تلهث باحثاً عن عون، وعن يد تمتد نحوك لتأخذك خارج البئر الذي أنت تغطس فيه، ويفقدك تنفسك الطبيعي.
المرض أعظم، وأشرس ديكتاتور في هذا العالم، ويستطيع كسر الصخور الصلدة، وإذلال الشموخ الزائف، وإعادة الإنسان إلى مربع الصفر الذي جاء منه، وكأن المرض هو ساعة الحائط العملاقة التي وضعت في داخل جسد الإنسان، لتوقظه في لحظة نسيان وتجاهل لقوة الطبيعة، وجبروتها.
عندما تنظر إلى وجه مريض، وتتأمل عينيه الغائرتين، وجفنيه الذابلين، تفلت من بين يديك تلك العصا التي تتوكأ عليها وتقع عند حضيض ضعفك، وتبدأ تفتش في حقيبة الذاكرة عن الدفتر والقلم لتسجل عدد الزلات التي مرّت في حياتك دون أن تعيرها انتباهاً، فتبدأ في تأنيب نفسك على جهلها بضعفها وعدم تقديرها لشكل الصراع الدخلي بين ضعفك، وعدم اكتراثك له، هذه هي قصة الوجود الجوهرية، وما عداها مجرد دمى بين يدي الأطفال.
نحن بحاجة إلى الأجراس الذاتية كي توقظ المارد المزيف وتعيده إلى جبلّته الأولى، نحن بحاجة إلى سيجموند فرويد جديد، لكي يخبرنا عن الدور الذي يلعبه اللا شعور، في خداعنا، ووضعنا تحت ركام من الظلام.