يحيلك شخص ما إلى دائرة مغلقة، يجعلك تعيش حالة مؤلمة، تعشش فيها فيروسات تقض مضجعك، تحاول أن تغادرها لكنك تشعر بالعجز لأن الوهم الذي زرعه في داخلك يكاد يكون مثل سوار صدئ كلما فكرت انتزاعه من معصمك آلمك، فتتراجع عن نزعه، ولكنه في نفس الوقت يظل يخزك، وينخر عظمك، لأن الشوكة في أعماقك حادة إلى درجة أنها ترسم جرحاً دامياً، وترى بأم عينيك مشحات الدم تنثر لونها القاني على صفحات قلبك المأزوم بالوهم.
قد لا ترى في الواقع ما يلفت النظر، ولكن الوهم في كثير من الأحيان يكون أكثر نفاذاً إلى الروح والتي تبدو مثل إسفنجة قديمة امتصت كل ما أفرزه الوهم، وسطره على سبورة باهتة.
ها أنت المعنى بالجروح، ها أنت المضني بجروح وهمية لا أكثر تطيح بك الصور الخيالية وتدهس قدمية هذه الوحوش الشيطانية التي تسمى أفكار العقل المسلوب، والمسربل بأصفاد الوهم، ها أنت الضعيف لا تملك إلا أن تخنع لكائن جبار اسمه الوهم استطاع شخص أحببته بأن يطوقك بهذا الحبل المتين، ويقتادك إلى مهاوي التعب اليومي، ويختزل عمرك كونك أحببت شخصاً ما وجعلته صورتك المثلى من دون أن تدري، فيا ويلك يا إنسان، هذا الوهم مثل موجة مشاغبة تتدحرج على صدرك، وتقذف مصيرك نحو نهايات مأساوية، وتدفن أمنياتك الزهرية تحت ركام من نشارة خشب، ولا ترى فيها غير صورتك الشائهة، ولا تلمس سوى يدك المرتجفة، ولا تحس إلا بجفنيك الذابلين، ولا تشعر إلا برموشك التي أصبحت مثل سعفات عجفاء خاوية.
يا لك من بائس أيها المنقاد خلف ظل الوهم، المصفود بأهداب مهترئة، المغلل بخيوط أقدم من الزمن، وأردأ من كسوف الشمس عندما تتخلى الشمس عن ذهبها الناصع، وتتسرب في الوجود كلص مقنع بقماشة سوداء، قاتمة لا ترى أنت من خلالها غير سكون العمر. وجمود الزمن عند مراحل ما بعد الفراغ.
هذا أنت عندما تعلك لبانة وجدك الوهمي، هذا أنت عندما تموء مثل قطة مريضة باتت مخالبها مثل أشواك معقوفة في خاصرة فقدانها أنت هكذا، بل أكثر عندما يصبح الوهم رسالتك في هذه الدنيا، عندما تكون أسداً عجوزاً، يصرعه أرنب مشاكس، وتغلبه نملة تتوغل في أذنيه، هذا هو أنت عندما تجعل من الوهم خصلة شعر تداعب جبين امرأة بائسة.
الوهم ورم خبيث في رأس المتوهم، وهو خنجر مسموم في عقل القابض على جمرة الصور البكائية.