هناك أشياء هي ضرورية، ولها قيمتها، ولا يستقيم اليوم بطقوسه دونها، يراها الكثيرون في غاية الأهمية، ودليل الاهتمام، ويراها المنشغلون بتعقيدات الحياة ونظريات العيش وفلسفة الوجود أموراً ليست لهم، وكأنها وجدت لغيرهم، ولا يمتلكون مهارة التعامل معها، وتسبب الضيق والضجر والنفور لهم، وقد تشغلهم هذه التفاصيل كما يسمونها عن غاياتهم في هذه الحياة، وما خلقوا ليعملوه فيها، من أجل الإنسان، ومن أجل رغيد العيش، وتطور المجتمعات، والتفكير الاستراتيجي، وسبر المستقبل، والتعامل الدقيق مع الأجهزة الفنية المعقدة، ويتمنون لو أن أحداً يفعلها بديلاً عنهم، من تلك الأمور التي يتعفف الباحث والمشتغل بالعلوم وبالعمل الإبداعي، الأدبي والفني عنها، ويتأفف منها، وقد يسبب الطلب منهم عملها إلى تلبك معوي أو بداية قولون:
- أسطوانة الغاز، وعلاقتها بكاتب ينتمي للحداثة الجديدة وحساسيتها، وإشغاله بمتى تنتهي، ومن أين يأتي بها، وكيف يحملها؟ وإذا استدعى الأمر كيف يمكن أن يركبها، ويحكم إغلاقها، ويمنع تسرب الغاز منها؟ وهو الذي لا ينام قبل أن يتأكد بنفسه من إطفائه، لأن لديه وسوسة بائنة من تسرب الغاز، وصوراً متخيلةً عن انفجار تلك القنبلة الموقوتة في البيت، وكثيراً ما يفضل الفرن الكهربائي الذي يحل له تلك المشكلة، ويريحه من تعقيدات أسطوانة الغاز التي تشبه عنده ملاكماً قصيراً، متحفزاً للهجوم على الدوام.
- يعني هل من الضروري أن ينشغل الباحث في مركز الدراسات الأنثروبولوجية أو ذاك المنشغل بعلوم الصوتيات والألسن بما تفعله الشغالة في المنزل، والنزاع الذي لا ينتهي مع ربة البيت فيما يخص نظافة الثلاجة، وأن كميات من الخضار قد فسدت قبل حينها جراء سوء تصرفها، وأن عليه أن يركض منذ الأحد على الجوازات وشؤون إقامة الأجانب لإنهاء أوراق تسفيرها، وعليه كذلك أن يكون طرفاً في النزاع مع مكتب جلب الخدم والمربيات على فلوس الضمان، ومعنى الالتزام.
- بصراحة لا أرى أية علاقة يمكن أن تربط «مايسترو» الفرقة الهارمونية بحفاظات الأطفال وقياساتها وأنواعها التي تمنع البلل، وموقعها على أي رف في الجمعية؟ ولا أعرف كيف سيكون صباح ذلك «المايسترو» إذا ما تصبّح بمشكلة مع «الدريول» لأن «كرانكيس» السيارة تعطل؟ ولا ما هي علاقة رسام يتبع المدرسة الانطباعية بحليب الأطفال الإسباني الذي تفضله الزوجة عن غيره لأطفالها، لأنه لا يسبب لهم الإسهال والتلبك المعوي؟ ما ذنبه أن يصحو الصباح باكراً، مثل أي خباز ينتظره أهالي الحي، وبدلاً من التأمل في الطبيعة، والموجودات المحسوسة من حوله، يقفز من سريره لجمعية البطين مباشرة، ليفتش بين رفوف الجمعية عن حليب «بودر» بعينه؟
- أعتقد أن أكثر ما يغيظ الشعراء المنتمين، والمبدعين من ذوي المعارف، وعميق الاطلاع، لا شعراء الكلمات اللزجة، أن تطلب الزوج المصون من أحدهم أن يغير «لمبات» الصالة المحترقة، ذات السقف العالي أو تجلس تقص عليه حكاية قَصّة شعرها التي هي الآن الرائجة بين سيدات المجتمع أو الفروق الدقيقة بين موضة الحقائب هذه السنة الصغيرة، واختلافها عن السنة المنصرمة، رغم ارتفاع سعرها، وقتامة لونها، لأنها «ستايل»، وكم هو مؤلم صباحاً على عازف العود أن يعرف العطل الذي أصاب «كنديشن» المبرد، وعدم تبريده كما هو معتاد، وعليه إيجاد الشخص المناسب لإصلاحه في الحال والتو!