لا تزهر الشجرة إلا ويطوقها جدول السلام، ولا تثمر الشجرة إلا وحلم الأمان يحيط جذرها.
هكذا هي الصيرورة منذ سالف الأزمان وإلى يوم يبعثون، فلا يمكن للبريق أن يملأ وجدان البشرية إلا إذا انقشعت غيمة الغبار، وتخلت الرياح العاصفة عن بث الشوائب في عيون القاطنين أرض الله.
في عالم اليوم، هناك سباق محموم للفوز بالريادة الصناعية، وبالأخص صناعة آلة الموت، وللأسف لم يتعظ المتسابقون من سنوات جائحة «كورونا»، حيث تساوى الكبار والصغار في بث الأنين تألماً من وطأة الجحيم الذي أصاب البشرية، ولم يترك بلداً إلا وأزهق فيها الأرواح، وأرق القلوب، وملأ النفوس حسرة وتوجعاً، وكم من الأحبة والأعزاء من فارقوا ذويهم، وتركوا وسادة الألفة خاوية.
هذه الملحمة التاريخية الحزينة، كان من المفترض أن تصحي العقول، وأن توقظ النفوس، وتفتح نافذة جديدة للوعي، مفاده أنه ما من بد من تلاحم العالم، وتضامنه، وتضافر جهوده من أجل منع حدوث الحروب، لكونها من أكبر الكوارث من صنع الإنسان، وأنها من أعظم الشرور، وأفدحها وأقبحها، لأنه ما من حرب إلا وأشعلت نيران البغضاء، كما أنه من السهل كسر الخواطر، ولكن جبرها يحتاج إلى عقود من الزمن كي تجبر، ويقول الشاعر: «إن القلوب إذا تنافر ودها.. مثل الزجاج كسرها لا يجبر»، لذلك فإن تلافي مثل هذه التشققات يحتاج إلى همة الرجال الأفذاذ، وإلى شيمة أصحاب النجب، وهذا ما تسعى إليه الإمارات، وهذا ما تعمل القيادة الرشيدة من أجله، وهذا ما تسهر عليه وتعضده بقيم زايد الخير، طيب الله ثراه، والذي زرع في قلب كل إماراتي مبادئ إنسانية قل نظيرها، ولأن هذه المبادئ راسخة ثابتة، مثل شجرة طيبة جذرها في الأرض وفرعها في السماء، فإن قيادة الإمارات، ممثلة في القائد الملهم، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تبذل الجهد، وتقدم النفس والنفيس من أجل منع تسرب غازات الحروب السامة إلى الضمير الإنساني، وفض الاشتباك بين الإنسان ونفسه، ووضع الحدود الراسخة التي تفتح قنوات التواصل بين الحكومات، وكذلك بين الشعوب، ولا تجد الإمارات حلاً للخلافات الدامية سوى كبح جماح الضغائن، ومنع انهيار السدود التي تمنع السيول العدائية بين الدول من القفز على ظهور القيم، وتحطيم المبادئ، وتنفيذ ما تبتغيه النفوس الضعيفة، وما ترتجيه الضمائر الميتة.
الإمارات اليوم، هي المعيار الذي من خلاله تقيس الأمم صحة مساراتها من خطئها، الإمارات اليوم هي الناقوس الذي يدق في آذان من يستطيع أن يسمع القول الفصل في قضية من قضايا الساعة، الإمارات هي النبراس الذي من خلاله تستطيع الدول تقصي الأفكار التي تحد من تدفق الضحالة السياسية في رؤوس من بهم صمم، ولا شيء غير التواصل بين قادة الشعوب، لأنه في الاقتراب تنزاح الغمة، وتنقشع الغيمة، وتسفر الأقمار، ويبرز النهار، ويرى من يريد أن يرى ما يدور في خلد الآخر، من دون تأويل ولا تطويل، ولا تبديل، ولا تحويل في المعنى.
هكذا هي الإمارات، في المسعى هي قيثارة، وفي المعنى هي وتر، وفي الحقيقة هي ثيمة الأشياء، وأصل الرواية.
هكذا هي الإمارات في قلب العالم النبضة، والومضة، هي كل ذلك لأنها فقط الإمارات، زرع شجرتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويروي جذرها فكر من أمسكوا زمام المرحلة بوعي وسعة صدر، والسياسة تحتاج إلى رجال بمشيئة نبلاء، يضحون من أجل أن تظل الشعلة مزدهرة، ومن أجل أن تبقى النخلة وارفة، ومن أجل أن تصبح الحياة وردة برية، تمنح العطر لكل الناس من دون تفريق.