ثمة ترحال في الحياة يترنم، في ذاكرة تجمعنا بدءاً، وتحيلنا عنوة كلما كبرنا، تدثرنا بجمالية الصداقة، لسنوات طويلة، تشرق بنور في نفوسنا، وتكمن بأحلامنا ومعرفتنا أسراراً لا يعرفها سوانا، ولم تكن تيه المسافات تشغلنا بالتعب ولا متاهات مدن أوريغون الأميركية تشعرنا بالابتعاد، بقدر ما هي مدينة كورفاليس أول حكاياتنا الجامعية وأول ضحكات فرح ملأت القلب كان خريفها يحشونا نشاطاً وترحالاً بين جبالها، وطبيعتها وما بين نسائم الخيال ومروجها.
وكأنها تلك الأيام، بالأمس القريب تحضر، في إطلالة من اللقاءات المتجددة، ما تزال مدينة كورفاليس تحضر في نسيج أفكارنا وذاكرتنا تحضر حيث ارتحلنا، أصبحت لقاءات الأصدقاء تعاد في مدننا الجميلة العين والفجيرة ودبي وخورفكان، لا أحد يشعر بأننا بدأنا الرحلة الأولى، وما تزال الرحلات تتعاقب، فلا يمحوها الوقت ولا يربكنا شغف الحياة ولا يستعصي علينا انشغالنا. ربما تغفو الذكريات لكنها لا تمل من رغبتنا في المغامرات الأولى في المدن التي مررنا بها.
فقبل أيام سحرتنا جبال الفجيرة وأنفاق الشارقة الحديثة وهي تحدث بريقاً جميلاً في محيطها السياحي، نقول ربما تمطر فيكتمل الفرح لكن هذه المرة لم تمطر.
كانت مدينة كورفاليس ماطرة، تظل سماؤها شهوراً طويلة داكنة لا ترى الشمس حتى ضجرنا مللاً، وتبدل الفرح والنشوة إلى البحث عن إشراقة تنقذنا، فكلما اشتد الضجر رحلنا نحو ولايات قريبة.
لا تشابه يحضر ما بين بحر العرب والمحيط الهادئ المبتسم من أعماقه وأمواجه المتربصة، بطوق سلسلة من المدن على الساحل، مدينة يوجين القريبة من مدينة كورفاليس، ونيوبورت ذات المعالم الساحرة.
إذا رحلة الأمس نحو الفجيرة إحدى رحلات الصداقة المتشابهة. بدأناها برحلة بحرية بقارب صباحاً، نحمل ذكريات الحياة نلتزم بالتفاصيل الصغيرة.. أمواج البحر العرب هادئة، الأسماك تخرج تداعبنا أو تستميلنا نحو التحدي حتى قبلنا، فرمى كل منا بخيط صنارة الصيد، وفي خلد كل منا أن الحظ ربما يحالف الآخر، ولكن لم يرافقنا الحظ هذه المرة، ولم نفطن لصيد السمك منذ زمن بعيد، هي مجرد نزهة جميلة ساقتنا نحن أصدقاء كورفاليس كما لو كنا نتوق نحوها بين أمواج البحر وعزف الناي الذي يخلد في الطبيعة.
عدنا من رحلتنا الصباحية، ورمينا بجوعنا في مطعم بحري يكتظ بموائد الأسماك، والناس التي شارفها الجوع على ضفافه تستعجل الوقت، عدنا من حيث بدأنا نحمل تعبنا وذكرياتنا إلى بيت تركناه في هدوء لا يروق إلا لكلب صديقنا الذي  يدير منظومة القطط الصغيرة التي ترافقه، وكما يبدو انتظر هدايانا من البحر ويأس من الانتظار فأكمل اللعب مع القطط.