لم أكن أعلم إطلاقاً ما الذي تنويه مُعلمة العلوم عندما قالت «من ستساعدني؟!». ولا أدري كيف تجرأت ورفعت يدي ليقع عليَّ الاختيار لأفاجأ بأنها تريد مني أن أحمل ذلك الكائن الأبيض الصغير الذي أخرجته للتو من صندوقه. كانت المرة الأولى في حياتي التي أحمل فيها حيواناً. أرشدتني كيف عليّ أن أمسك أذنيه بيد وأثبت ظهره بيد أخرى، تمكنت بصمت ومن دون أي تعثر من حمله طوال فترة شرح المعلمة، ولكن بألم شديد -لم يعلم به أحد- تعاطفاً مع الأرنب المسكين! هكذا اختبرت جرأتي للمرة الأولى في حياتي بشهادة من حولي. تذكرت هذا الموقف وأنا أفكر كيف اختبرت صفاتي التي أعرفها عن نفسي للمرة الأولى، وماذا دفعت مقابلها، وأدركت أن هناك مواقف لا نختارها بأنفسنا ولكنها تختارنا لنعرف أنفسنا.
****
المرة الأولى دائماً ما تكون الأغرب والأصعب، لأنها تخرجنا من مناطق الراحة لدينا التي نعرفها جيداً عن أنفسنا، وتضعنا في مناطق جديدة لا ندري عنها شيئاً. وفي فترات أبكر من حياتنا تكون المرات الأولى أغزر وأشد، وهي ما يجعلنا على ما نكون عليه فيما بعد. تتكون شخصياتنا من نتائج هذه المرات الأولى، نصبح أجرأ أو أكثر تردداً، أكثر حزماً أو استسهالاً، أكثر إقبالاً أو انغلاقاً وهكذا. ولأن هذه التجارب تأتي في طريقنا دون تخطيط مسبق، فعادة ما تكون بعيداً عن نظر من يحموننا أو يعتقدون ذلك، فيحدث أن تكون مؤثرة جداً، يصعب تجاوزها عندما تكون سلبية، أو راسخة لصيقة وتشكل قناعات عندما تكون إيجابية. وعندما نكبر تقل تلك الاختبارات، غير أنها لا تنعدم، أي تبقى حاضرة ولكن تحتاج منا التقاطها مهما يكن نوعها، مثيرة أو مخيبة.
****
للاختبارات أثمان تُدفع، ليست مجانية، مهما تكن النتيجة التي ستعرفها عن نفسك. المقابل هو ما يعطي لنتيجة الاختبار قيمة. لاختبار صبري كان علي أن أتألم كثيراً وبصمت لكي لا أضايق من أحب، ولأختبر عزيمتي أجهدت عينيَّ وجسدي طويلاً، ولأختبر عقلي كان عليّ أن أقمع عاطفتي كثيراً. صفاتنا التي نعرفها عن أنفسنا هي طباع أصيلة، لم تولد بهدوء في تكويننا، بل جاء حضورها صاخباً ونتاج اختبارات حقيقية. تأمل في صفاتك بهدوء مع نفسك، وفكر متى اختبرتها للمرة الأولى، وماذا دفعت مقابل الحصول عليها، وهل كان المقابل مستحقاً؟!