تختصر النسخة التاسعة لكأس العالم للسيدات التي تنطلق اليوم في أستراليا ونيوزيلندا، العديد من الحكايات ذات الحبكة الدرامية والفصول المبهجة والحزينة، المضحكة والمبكية في مسار نضالي شاق مشته المرأة في العالم، لكي تُثبت في أجندة العالم موعداً يحتفل كل أربع سنوات بكرة قدم «نون النسوة».
بالقطع، لم تكن سنة 1991 التي شهدت المولد الحقيقي لمونديال السيدات، سوى انعطافة تاريخية في مسلسل طويل خاضت خلاله كرة القدم النسوية حرباً ضروساً، من أجل الانتصار للكينونة قبل المساواة، فما أكثر حالات الإجهاض والوأد والتهميش التي اغتالت الكثير من الأحلام النسوية، ولكنها لم تنل من عزيمة سيدات العالم، من أجل أن يكون لهن مونديالهن الذي لم يصل لا مالياً ولا جماهيرياً ولا إعلامياً إلى مرتبة مونديال الرجال، ولكنه منذ لحظة الميلاد قبل 32 سنة، حقق طفرات عملاقة، وردم الكثير مما في «هوة» الفارق.
وإن وقفنا اليوم على أعتاب كأس العالم للسيدات في نسختها التاسعة، لنرصد مشهد الكرة النسوية، سنقف على الكثير من العوارض والمتناقضات الغريبة، فكما أن للميدالية وجهاً براقاً، لها أيضاً وجه شاحب وبئيس، فالفوارق كبيرة بين منتخبات أوروبية وأميركية شمالية تنعم بإمكانات مالية ولوجستية تؤمن لها كل شروط التطور والارتقاء، لتحكم سيطرتها على مونديال السيدات، على غرار المنتخب الأميركي المتوج باللقب العالمي في أربع مناسبات، والذي لم يفوت أياً من النسخ الثمانية، ليقف على «البوديوم»، والمنتخب الألماني المتوج في مناسبتين، وبين منتخبات قادمة من قارات أخرى بعضها يعيش ضنك العيش، وعبرت لاعبات هذه المنتخبات عن امتعاضهن وحزنهن الكبير على الظروف المهينة التي جرى خلالها التحضير للمشاركة في كأس العالم.
وحيال هذا التناقض المعيب، لا يمكن عند ذكر مونديال السيدات، أن نبخس الجهود التي يبذلها الاتحاد الدولي لكرة القدم لتثمين الحدث المونديالي، ولتقليص الفوارق الكبيرة التي تفصله عن مونديال الرجال، إذ تضاعفت الحصص المالية المرصودة للنسخة الحالية ثلاث مرات، قياساً بنسخة 2019، بل إنها زادت عشر مرات عن نسخة 2015، ليصل مجموع ما سيوزع على المنتخبات واللاعبات في المونديال الحالي إلى 153 مليون دولار، وستحصل كل لاعبة مشاركة في هذه النسخة على 30 ألف دولار على أقل تقدير، في حين ستظفر كل لاعبة متوجة بكأس العام بمبلغ يصل إلى 270 ألف دولار.
تسعد سيدات العالم، بخاصة من كن وما زلن في الصفوف الأمامية لمعركة النضال لإدراك المساواة، بما أنجزن في العقد الأخير من انتصارات تاريخية، لانتزاع الاعتراف، إلا أن مساواة كرة القدم للسيدات مع كرة القدم للرجال، طريقها طويل ومتعب، ويحتاج إلى كثير من الصبر والجهد والمعاناة، فما نيل المساواة بالتمني، ولكن تنتزع الحقوق انتزاعاً.