لا أومن بأن الفرص تأتي مصادفة، وقناعتي الراسخة أنها تأتي لمستحقيها. بمعنى أن يأتيك عرض عمل مميز جداً يطمح له الكثيرون، لا يعني أنك محظوظ بقدر ما يعني أنك مستحق له كون مؤهلاتك التي اشتغلت عليها في حياتك أهّلتك لتكون الشخص المناسب. وأعتقد أن الحياة كلها بنفس الطريقة، ولكن بعضهم يصر على غير ذلك. بعضهم يملكون فقط مهارات عالية في تكديس أحلامهم، على أمل أن تأتيهم الفرصة المناسبة، غير مبالين بأنهم لا يملكون القدرة على استغلال الفرص التي حلّقت بالفعل من حولهم! فاختاروا أن يبقوا على حالهم، فحلم النجاح والتميز أفضل كثيراً من واقع العادية أو الفشل. بعضهم يسعد أكثر بتجميع تلك الفرص التي لم يستغلها، يستعرض أمام الآخرين عددها، ويظل يجترها بفخر، وهو قابع في مكانه. وبعضهم يجيد الاستخفاف بالفرص التي استغلها الآخرون، يستهزئ بفرحهم.. ثم يعود إلى غيومه، عفواً، أقصد إلى أحلامه التي لن تحلّق به يوماً.
التقيت منذ فترة بشاب من المهتمين بالشأن الثقافي، وفي عرض حديثه عن إنتاجه الأخير، غلبت عليه حالة من الحزن وأخذ يتحدث عن عدم تقدير الوسط ومبالغته غير المنطقية لأعمال آخرين فارغة لا يملؤها إلا قدرة أصحابها على مداعبة أضواء الإعلام واللعب بوسائل التواصل الاجتماعي وجمهورها الهش -على حد قوله- ومباهاتهم الجلفة بعدد مبيعاتهم وتكرار طبعاتهم. وتحول الحديث فجأة عن هؤلاء، فيما تمنيت لو أنه حدثني أكثر عن عمله. تساءلت، لماذا ننشغل في أوقات كثيرة بالآخرين وما يفعلونه، لماذا لا نطرح على أنفسنا أسئلة نحاول أن نفكك فيها حالاتنا عندما نقوم بالاستخفاف بنجاحات الآخرين، أو طرقهم في الاحتفال بإنجازاتهم بدعوى أنهم يبالغون، أو أن الزمن منحهم أكثر مما يستحقون!
لماذا نروّج عن ما يقال عن فساد الذائقة، وغلبة عوامل كقدرة الكاتب مثلاً في استخدام الإعلام والتسويق على موهبة الكاتب الحقيقية، وغيرها من الأقوال التي قد يتداولها بعضنا ويكتبها مستحوذة بذلك على حيز غير هين من طاقتنا التي كان يجب أن تكون خلف أحلامنا الأدبية، بدل أن تهدر في تقييم أحلام الآخرين. الذائقة الأدبية بالذات، هي من الأمور التي تفرز نفسها بنفسها من دون تدخل خارجي، وخصوصاً عندما نتحدث عن عالم مفتوح كالذي نعيشه الآن تتجاذب أطرافه على اتساع رقعته كل أشكال الفنون والآداب بكل مستوياتها الضحلة والعميقة، مما يعني عدم قدرة أي غث على الصمود طويلاً. اتركوا الحكم للزمن.. والحقوا أحلامكم على أرض الواقع لا في الغيوم.