بعد وهج وبهجة، بعد حلم طاف ضواحي الشعر بتمعن وحرفية أنقى من عيون الطير، بعد اشتعال أوراق القصيدة بثقاب شاعرة وهبت نفسها للشعر، نشعر أن القصيدة تخون أصحابها في لحظة تأجج، ومد أضاء المدى، تطوي هلالة الحمداني عباءة الحلم، وتغادر باكراً، قبل أن تكمل مشروعها التنويري في غرفة الإبداع الجميل.
هلالة الحمداني فكرت في الحياة كثيراً ولم يخطر على بال الشابة المبدعة، بأن للموت موعداً، حين ترفع الصحف، ويجف ريق الشعر، وتصبح الحياة مجرد خدعة بصرية، نختالها حقيقة، كل ذلك يحدث عندما يمد الموت مخالب أشبه بخيوط العنكبوت ليسرق عمر مبدعة لم تزل في ريعان القصيدة، لم تزل في عنفوان الحلم، لم تزل في أبجدية لغة الحياة، لم تزل في بداية سرد القصة الوجودية، لم تزل عند ضفة نهر الفرح، بجائزة التفوق الشعري، لم تزل ترتل وعيها، وترتب أهداب القواعد، وتهذب القافية بمشط ملكاتها المبهجة، لم تزل تشنف أسماعنا بروق، ورقة، ومهارة، وبراعة، إبداعها الملفت، لم تزل هلالة تتهجى حروف شفافية قراءتنا للقصيدة، حتى وافاها الموت، لتطفئ الشاعرة الشابة غرفة إبداعها، وتترك لنا في الطريق بعض تفاصيل ما تبقى من قصائد لم تكملها، أو أنها حفظتها في درج الذاكرة، لعل وعسى تأتي اللحظة التي تسددها، باتجاه عالم لم يبق له من جمال سوى بيت الشعر، ولم يبق له من رائعة غير موسيقى القصيدة، ولم يبق له من قلق جميل سوى نبض الشعراء، ولم يبق له من حلم أبيض، سوى في مسرح المبدعين.
رحلت هلالة الحمداني، وعمان، والخليج والعالم أجمع عندما يترك الشاعر بيت القصيدة موارباً، فإنه يغلق نوافذه ويطفئ الأنوار، ويخربش في الفراغ كأنه طفل شقي، كأنه الحسناء في ليل فراق الحبيب.
رحلت هلالة، ومعها بعض ذاكرة لمنصات الشعر، وصدح، وبوح، وجرح قديم في ضمير الإنسانية، يترك بصمة، تتحرك في سويداء الوجود، مثل تفاحة خطفتها يد الخديعة البصرية، فاسترق الشعراء همهمة الفراق في صدر شاعرة، لم تزل تحلم، ولم تزل تتعلم من رقة القصيدة، وحنان الإنسان حين يكون الإنسان بين ضفتي الماء واليابسة، عند شفتي صدر البيت وعجزه.
رحلت هلالة الحمداني، ولكن لم يرحل الشعر في ديوانها، لم يغادرها الحلم حتى وهي تلفظ آخر النفس، لأن الشعر لا يموت، ولأن الشعر مثل الشمس، يغيب ليطلع، لأن الشعر مثل الموجة، تنظف نفسها من دون أنامل، لتبدو في الوجود مرحلة، تليها مراحل، وأغنية تمشط جدائلها، موسيقى حلم الأبدية.