في ذلك الصيف اللندني التقيت بعمر الخيّام، وتعلقت بشخصيته، لأنني لم أكن معتقداً أنه فقط ذلك الشاعر الذي صوّره الأدب الشعبي، وعمموا له صورة نمطية بجهلهم، حاله من حال «أبي نؤاس» الذي زادوا عليه من المبالغات والحكايات المفبركة إما حباً في شخصيته الشعبية أو ذماً فيها.
ولد وتوفي عمر الخيام في نيسابور، عاصمة خراسان بإيران، واختلف في تحديد سنة الولادة والوفاة، لكن الشائع أنهما 1048- 1131، اسمه «غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام»، والخيّام هو لقب والده الذي يمتهن صنع الخيام، هو فارسي، من أصل عربي، برع في الرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ، وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة، بوساطة قطع المخروط. وهو صاحب رباعيات الخيّام المشهورة والتي هي مقاطع شعرية من أربعة أشطار، الشطر الثالث مطلق فيها، بينما الثلاثة الأخرى مقيدة، وهى تعرف باسم الـ «دوبيت» بالفارسية، وقد ألفها بالفارسية، وظل يتغنى بها في مجالسه وخلواته، فنشرها عنه من سمعها من أصدقائه وندمائه، ولم يفكّر معاصروه في جمع الرباعيات، حيث ظهرت أول مرة مجمعة ومكتوبة سنة 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف قرن!
وكانت أوّل ترجمة للرباعيات للغة الإنجليزية، قد ظهرت سنة 1859م، على يد الكاتب البريطاني «إدوارد فيتسجيرالد» تلتها ثلاث طبعات أخرى في الأعوام (1868، 1872، 1879) م، أما الترجمات العربية من الفارسية، فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي، والشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، والشاعر البحريني إبراهيم العريّض، وتصف الرباعيات الحياة والمتعة والبهجة فيها، لكنها تشكو من العمر القصير الهارب، مع غنائية في الورود والأزهار وخرير الماء والخضرة والوجه الحسن والعشق، والخمر.
وهناك من يزعم أن الرباعيات لطول الوقت، وعدم تدوينها نسبت أشياء كثيرة منها للخيام، حيث زادت على ألفين رباعية، لكن المشهور أنه لم يقل أزيد من مائتي رباعية، وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي «زوكوفسكي»، حيث رد «82» رباعية إلى أصحابها، ولم يبق منها إلا القليل مجهول النسبة:
سمعــتُ صــوتاً هاتفاً في السّحَـــر نادى مِن الحانِ: غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَــــل أن تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر
***
أفـــق وهات الكأس أنــــعمُ بـــــها واكشف خفايا النفس مِن حُجبها
وروّ أوصـــــالي بـــــــها قَــــبلَــــما يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها
كان عمر الخيام في صغره يدرس مع صديقين حميمين، نظام الملك - وهو أول من أسس المدارس النظامية التي تنسب له- وحسن الصبّاح أحد قادة الطائفة الإسماعيلية، مؤسس فرقة الحشاشين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، فلما أصبح نظام الملك وزيراً للسلطان «ألب أرسلان»، ثم لحفيده «ملكشاه»، خصص له راتباً سنوياً من خزينة نيسابور، فضمن له العيش في رفاهية والتفرغ للبحث والدراسة!
لكن هناك اختلاف بين عمر الخيّام العربي، وعمر الخيّام الفارسي في الدراسات والأدبيات والثقافة الشعبية؟