كن واعياً، فالوعي مثل المصباح، عندما تدخل غرفة مظلمة فإنك لا تحتاج لمس الظلام حتى تتخلص منه، بل إنك بحاجة إلى الضوء كي يمحو الظلام.
فأنت في اللا وعي، أنت أعمى لا ترى، لذلك كيف تستطيع أن تحب وأنت لا ترى، وهذا لا يعني أن الإنسان الأعمى لا يستطيع أن يحب، وإنما المقصود أن العمى هنا هو عمى معنوي، عمى المشاعر، فمن يفتقد هذه البصيرة كيف له أن يحب، أو حتى أن يعرف الحب.
الحب الحقيقي يحتاج إلى وعي يدرك الإنسان من خلاله قيمة الحب بين الناس.
فالرجل لا يستطيع أن يقيم حياة أسرية مكتملة الدائرة إذا لم يعِ معنى الحب، والزوجة لن تسطيع امتلاك قلب الرجل إذا لم تدرك معنى الحب.
الحب من غير وعي هو إما حب عبودية، أو حب تملك، ويتبع هذين الصنفين ما يتبعهما من خزعبلات تضر بالحياة وبدورة الكون، ومجريات التاريخ.
الأم التي تفهم حب الأبناء فرض الشروط والتعليمات هي أم لا تعي ما الحب، وكذلك الأب، لأن العمى العاطفي نتيجة، مثل ما يقوله الناس البسطاء (خراب بيوت) وهذه حقيقة، الوعي مفتاح الدخول في غرفة الحياة العملاقة بعيون حدقاتها أوسع من قرص الشمس، الوعي هو مصباحك إلى حياة مستقيمة، وحب ناضج منفتح على الوجود ومن دون عقبات.
الوعي هو السلطة التي تمنع أذى الأنا من بسط نفوذها على الإنسان، وجعله يتخبط في بيداء لا فيها ماء ولا شجر.
الوعي هو جمهورية أفلاطون التي بشر بها العالم عندما تحدث عن قيمه في قصة الكهف، وعرف فيها الناس اللا وعي مثل أولئك الذين عاشوا في الكهف، وأعطوا ظهورهم إلى باب الكهف، فلم يروا من الأشخاص والأشياء إلا أشباحاً منعكسه عن ضوء الشمس.
هكذا اللا وعي هو انعكاس الضوء تحت سلطة الجدران السميكة لكهوف العقول المغلقة، والإدراك المعتم.
لا يمكن للإنسان أن تصدر عنه قرارات عاطفية أو عقلية صحيحة وهو يقع تحت بطش العقل اللا واعي، وكم من الجرائم تحدث بفعل عدم الإدراك لما ينتج عن ارتكاب الجرائم.
وكم من المآسي تحدث نتيجة لعدم إدراك ماذا سيلم بالبشر فيما لو نشبت حرب ضروس بين دولتين جارتين.
ولكن الإنسان يشعل هذه الحروب، ويتكبد الخسائر الفادحة، لأنه أقدم على هذا الفعل الشنيع وهو خارج العقل، أي أنه كان في منطقة اللا وعي، فكيف له أن يدرك معنى الحب، وكيف له أن يفهم أن الحب في الحياة مثل الهواء، والماء.
لو عرف الناس قيمة الوعي لما فكروا في غيره، ولما تركوا الحياة تضيع في سيل من الأفكار البذيئة، وأفظعها فكرة «أنا ومن بعدي الطوفان» ولا يعلم اللا واعي أن الطوفان عندما يحل في مكان فإنه لا يفرق بين هذا وذاك، بل إنه يغرق الجميع، وهذا ما نشهده اليوم في عالم مضطرب، يهيم في محيطات من الجهل، والحروب الطاحنة التي أكلت الأخضر واليابس، ويعيش الملايين تحت رحمة العراء المفتوح على الفقر والعوز.
لماذا؟ لأن غياب الوعي، أدى إلى موت الحب.