قالوا لك انفتح على الآخر، فخدعوك. فالآخر بشري، لا ضمانة لوعيه بأهمية الانفتاح، فقد يكون صخرة صماء، فهل لك أن تفتح الصخرة، وتعرف ما بداخلها؟ إنه الخطأ التاريخي الذي مرت به بعض الأفكار الحديثة، وربما هي ردة فعل للظلم الذي عانى منه الإنسان من الانغلاق الفكري خلال قرون مضت، ولكن هذا لا يعفي المحدثين من جريرة هذا الذنب الفظيع والذي أدى بالإنسانية إلا الانشطار إلى نصفين، متناقضين، متصادمين، متحاربين، نصف يريد التواصل، وآخر يقطع الطريق، فلا يدع للعربة أن تمر، لتصل إلى ضفة النهر، واليوم وبعد قرون من المواجهات، ماذا حدث. إلا الضغينة، الضنك، والحنك، والتنافر، والنهي عن الوصول إلى الحقيقة.
نقول انفتحوا على الحياة، وأنظروا إلى الأنهار كيف تتلاقى روافدها في قلب المحيط، لتذوب الملوحة في العذوبة، ثم تأتي الشمس لتأخذ نصيبها من البخار، وابعثه هدية إلى الغيمة، وبدورها تعيد الغيمة الهدية لصديقتها الشمس، وهكذا تستمر دورة الحياة في بهجة الكائنات التي تخلصت من الجدل العقيم، وتوصلت إلى حقيقة الانفتاح، ومن دون وزر الخداع البصرية التي يتخيلها البشر، ويظنون أنهم الأذكى في هذا الوجود، بينما المخلوقات الأخرى، والتي يعتبرها البشر أنها الأقل ذكاء قد حسمت أمرها، وانتقت وجودها على الانفتاح، لأنها لا تلتفت إلى الماضي، كما أنها لا تنظر إلى المستقبل، فالحياة هي اللحظة الراهنة، هي الآن وليس غداً، ولا أمس، وهي الحقيقة التي توصلك إلى كينونتك، ومن ثم تحقيق طموحك في الوصول إلى غايتك، وهو الفرح.
فهل وجدتم شجرة، غاضبة، أو طيراً مكتئباً، بالطبع لا، لأن هذه الكائنات تعيش يومها، وما الذاكرة إلا مخزن للحزن، أو للقلق، فاحذروا من اللجوء إليها، كي لا تكسرهم، وكي لا تحطم مراكبكم، فأحبوا الحياة، بلطف، وحنان، تغنموا السعادة الأبدية، أحبوا أنفسكم، وسوف تحبون الآخر.
لا تفكروا بخلاف ذلك، ولا تلتفتوا إلى الوراء، حتى لا تتعثروا بصخرة الماضي، ولا ترفعوا رؤوسكم في كل الأوقات، فلا تروا ما يدور على الأرض، ومن ثم رفعوا في الحفر.
سيقولون لكم، من لا يفكر في المستقبل، يسقط، ويتخلف عن ركب الحضارة، وهذه خدعة، خيالية، الذين فكروا في المستقبل، ونسوا اللحظة، كمن قفز على الحبال دون أن يعرف أنها مصيدة، إذا لم تخبره اللحظة أنه عليه أن يتعلم من اللحظة كيف يستريح، ويأخذ نفساً عميقاً، ثم يقفز قفزته المباركة، فحرق المراحل مهلكة، والسباحة من دون فهم معنى أن نستفيد من معطيات اللحظة، إنه دعوة إلى الغرق، انتحاراً.
كن أولاً في اللحظة، ومن ثم ستجد نفسك في المستقبل مسلحاً بعتاد اللحظة الواعية، والتي لا تربك فصول السنة، فالبداية من اللحظة، لأنها الزمن الحقيقي في حد ذاته.