استمرت شجرة الغاف واقفةً وشامخةً عبر الزمن، كتب لها الله الاستمرار والحضور الدائم، ولم يتم التعدي عليها بفضل الحكمة والرؤية التي أطلقها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. كل الطرق تحيد عنها، كل البناء والمعمار، لا تمسها، وحدها سيدة المكان الذي نبتت فيه.
 مصادفةً نبتت شجرة غاف في حوش ومنزل حمود العماني، الذي شيد (حوشه) ومنزله من جريد النخيل، حياته وأوقاته الخاصة تحتاج أن يشغلها بما يفيده ويؤنس وحدته، ولم يكن غير ديك وبعض الدجاجات، ومساحة مزروعة بالخضراوات والشجيرات الورقية، وبئر ماء تغنيه عن كل شيء. يعود بعد عمله في مزارع النخيل مساء، يشعل مصباحه الصغير، يعد طعامه، ثم يسامر ليله بأغانٍ عمانية ويمنية ومحلية جميلة، يرفع الصوت عالياً، كلما ردد أغنيته، الجميلة، والبديعة للفنان أبوبكر سالم بالفقيه «باشل حبك معي بلقيه زادي ومرافقي في السفر/ السمر»، لا يبالي بالمارة أو علو صوته الذي قد يصل إلى الجيران الذين يسكنون في البعيد. حالة من الوجد والشوق تتلبسه عندما يتذكر قريته البعيدة ومحبوبته. 
في الصباح الباكر جداً، يروي نباتاته وأشجاره ثم يذهب إلى عمله في مزارع (زرايب) النخيل. ظل زمناً طويلاً في عمل وكد وكأنه استقر في هذه الأرض ولا ينشد العودة إلى مرابع حياته الأولى وقريته البعيدة في عمان الداخل، لا شيء غير المساءات الغنائية. يمضي العمر وتتغير الحياة، وفي نهايتها يتعب من العمل والكد، يقابل صديقاً جديداً يعمل معه في الزراعة، يعاونه بعض الوقت، بعد مدة قصيرة يودع الحياة، يدفن في الأرض التي عاش فيها وأحبها، منذ شبابه.
 يخلفه وفي مكانه ومنزله، صديقه الشحي حسن، يكمل طريقه وعمله، ولكن بعد حين يتعب ويمرض، ثم يعود إلى رؤوس الجبال وموطنه. ظل حسن الشحي محافظاً على تقاليده وما ورثه من بيئته الجبلية، معتزاً بتاريخه وإرثه الجميل، دائماً يحمل عصاه المنتهية بآلة حديدية (خصين صغيرة) لا تفارقه أبداً.
 بعد رحيل الصديقين، ترك المنزل/ البيت السعفي زمناً طويلاً، تهدم وأذرته الرياح، ذبل الزرع والأشجار، تزيل البلدية كل مخلفات المكان، وحدها شجرة (الجز) وشجرة الغاف ظلت شامخة في السماء وافرة الظلال خضراء تسر الناظرين. شجرة الغاف هنا عزيزة وكريمة ومحمية بحكمة، إن الحياة والجمال والحب هي أوراق غاف خضراء لا تقطعها الأيادي ولا الفؤوس