لو عدنا للتاريخ، لو عدنا لسنوات المدرسة التقليدية، وعقدنا المقارنة بين أمس واليوم سوف نجد سحابة رمادية داكنة كانت تغطي الحياة في الماضي، فما بين الطالب المستجد والمدرسة، مثل ما هي العلاقة بين الطائر الذي ينتزع من عشه ليخرج إلى قفص من حديد صدئ.
كان اليوم الأول، والأيام التي تليه، هي أيام صراع الوجود بالنسبة للطالب الصغير، وكانت المدرسة تشكل في وعيه المكان الذي يسلبه حنان البيت، وعفوية التعامل مع الأم والأب.
أما المدرس، فكان يوحي لهذا الصغير الغض، طري المشاعر، بعبعاً مخيفاً، يستدرج في نفس الطالب عنصر الخوف من الشخص الغريب، وكان المدرس مجرد موظف يؤدي دور الملقن، ويا ويل الطالب المتردد، والمرتجف، من هذا المشهد المريب.
وقد حاق بمصير الكثير من الطلاب ثبور، وانكسار في الخواطر، مما أدى إلى فقدان القريحة، وخسارة فادحة في القدرات وتواري الملكات الإبداعية خلف كمية هائلة من الفزع من تقصير في حل الواجبات، والجزع من مقابلة المدرس صاحب العينين الجاحظتين، الحمراوين، وتلك السمات الجافة مثل صحراء عابسة من أثر قنوط السحابات الطائشة، وعدم اعتراف المدرسة بقيمة الحنان الأبوي الذي يجب أن يتبوأه المدرس، كونه رسول المحبة، والسلام، والعلم، والثقافة.
كانت المدرسة تخرج نماذج مروعة، وشخصيات مرتبكة، ركيكة، وضعيفة، وخائفة، ولا تقدر على طرح السؤال بقدر ما هي شخصيات مطلوب منها الحفظ والتكرار، والأخذ بزمام الطاعة العمياء، ومن يقصر أو يتأخر في تلبية هذه الثوابت البدائية، فله المصير الأسود، ولذلك فكم من الأجيال التي تسربت من المدرسة، وكم من العقول التي تهربت من مسؤوليتها، كعقول تقع عليها مسؤولية النهوض بمستقبل مشرق، يضيء للوطن مصابيح النهضة والتطور، ويجعل أصحابها شركاء حقيقيين في صناعة الحياة الأجمل.
كان الطالب عندما يمر المدرس من شارع أو زقاق فعليه أن يربط محزمه، ويفر هارباً، كي لا تلحظه عيني الرقيب، المهيب، والرهيب.
اليوم تغيرت الأحوال ودارت الأيام لتصبح المدرسة مكاناً لنزهة العقل، وحقلاً لتغريد العصافير بحرية وشفافية، اليوم المدرسة تشرق في الصباح في عيون الطالب، وكأنها الشمس تتسلل من بين ملاءة السحابة الممطرة، اليوم أصبحت الإمارات رائدة في صناعة الجيل الواعي، اليقظ، حاد البصيرة، ثاقب البصر، يرى في المدرسة، حياته، ومستقبله، ومحطة انطلاقة لحياة جديدة وجدية، تتجدد فيها لغته وثقافته ومشاعره، ويدخل في حياة أصدقاء، يملؤون حياته فرحاً، ويكسبونه شخصية جديدة.
شكراً للذين يلونون حياة أبنائنا بالوعي والحب والإبداع.
شكراً لقيادتنا الرشيدة التي جعلت من المدرسة حديقة غناء فيها تغرد طيور الحاضر من أجل رفع النشيد عالياً، من أجل وطن لا يقبل إلا الرقم واحد، وطن الاستثنائية والفرادة الإبداعية.
الله كم هم محظوظون هؤلاء الصغار، وسوف يكبرون على وقع أنشودة الرقي والتطور، وتقديم كل ما يدهش، وكل ما يفرح.