في رواية «نوار اللوز» للكاتب الكبير واسيني الأعرج، اتكأ في بعض مقاطع الرواية على تغريبة بني هلال، وطرح الكثير من التداعيات، بين واقع بلدة في عهد مضى وبين أحداث وشخصيات تلك التغريبة الطويلة، التي قطعت مسافات ومسارات كثيرة من الجزيرة العربية، وحتى بلاد المغرب العربي. أحداث ومواقف وشخوص ظهرت وأثرت في التاريخ وأثر فيها الواقع الجديد، تباين بين طريقة الاقتحام والقوة وفرض وجودها، وبين الذوبان أو الهزيمة والاستسلام للظروف، الخضوع لها تارة، وتحديها وهزيمتها تارة.
وإذا كان مسار التاريخ والتدوين والحكايات تقدم السيرة بصورة متسلسلة أو كما نقلت وتداولت على مر التاريخ، فإن للراوي طريقته وأسلوبه في اقتناص الحدث أو أخذ نماذج من التاريخ وطرحها وإسقاطها على الواقع، وربما نماذج بعض الشخوص في التاريخ وتعاملها مع واقع وظروف ذلك الزمن البعيد، قد تكون شخوصاً جدية وموجودة في الواقع يشبهها في التعاطي مع زمنها وحاضرها، فإن ظهرت شخصية جبارة أو متسلطة أو عنيفة أو ماكرة أو طيبة، فقد يوجد في الحاضر ما يشابهها في طريقة العمل أو الرؤية والتعامل مع الأحداث والواقع والناس الآن. صحيح أن تلك الحكاية القديمة والرحلة الطويلة قد صاحبها الكثير من الحكايات الصغيرة، وبروز بعض الشخصيات المتباينة في العمل أو طريقة تحقيق الأهداف، منها ما هو في غاية السوء ومنها ما يشرف، ذلك ما يوظفه الراوي في المعالجة الروائية وما يسقطه على الواقع.
ومثل هذه الروايات تتكئ على الحكايات التاريخية وتأخذ أهم مفاصل الأحداث، وتستفيد من الحكايات القديمة في تقريب الصورة بين الماضي البعيد وتجاربه وعبَره، وما أفرز من نجاح أو هزائم، ثم استغلال ملخص السيرة أو الحكاية القديمة في حاضر الوقت.
بالتأكيد لا يستطيع أن يكتب ويوظف تلك الأحداث القديمة والرحلة الطويلة، وما خلصت إليه وقدمته من إنجازات أو نهايات تاريخية مثيرة ومهمة. نقول: لا يستطيع تقديم عمل جميل يربط أحداث الماضي وصورة الحياة اليومية في المجتمع المعاصر غير كاتب كبير لديه المقدرة على تحريك الأحداث، ومزج التاريخ الماضي بالحاضر والواقع، ذلك ما صنعه الكاتب والأديب واسيني الأعرج في روايته «نوار اللوز» هذه، خاصة في استحضار وتوظيف بعض شخوص رحلة وسيرة بني هلال، عندما وصلت إلى محطاتها الأخيرة في بلاد المغرب العربي، ثم برزت تلك العناصر المختلفة.
قبل فترة تداول بعض الكتاب حكاية الفرق بين سيرة المكان والحكايات القديمة فيه، وتناول الكاتب لجانب من تلك الحياة في عمل روائي، وهل بالضرورة أن ينقل الواقع كما حصل ويقوم بعملية تسجيلية، أو يستغل تلك الأحداث ويضيف إليها رؤيته وطريقة معالجته وعمله الأدبي. مثلاً تناول بعض الشخوص وتغيير الأسماء أو الأمكنة، وإضافة أحداث جديدة تقرب الصورة والواقع، وإهمال بعض الأحداث والتركيز على بعض آخر. ماذا يصنع الكاتب إذا كان بينه وبين المكان وزمن الحكاية القديمة زمن طويل، وبيئة مختلفة تفرض حياة وطريقة تفاعل معها بصورة مغايرة، قد لا يدركها الكاتب الآن؟ ثمة أسئلة كثيرة حول كتابة الرواية وكتابة التاريخ والتسجيل، تحتاج لمساحات كبيرة للكتابة عنها.