في الزمن الذي تعيش فيه البشرية شراسة الضمير، وعنفه، وبطشه، وضراوته، تبدو الإمارات في العالم البلسم الذي يضع لمساته على الجروح، ليحيي عظاماً أنهكتها النقمة البشرية، تبدو الإمارات إكسير الشفاء لكل مظلوم، ومهضوم، ومكلوم، ومسقوم، تبدو الإمارات في الوعي نقطة الضوء، وبصيص القمر، من خلال غيوم العالم المتراكمة، تسلطاً وعجرفة، وتزمتاً.
في الحرب على غزة، تبدو الإمارات رمانة الميزان، والتي تتكئ عليها آمال الشعب الفلسطيني، وتطلعاته إلى حياة كريمة، وكرامة سخية، ثرية بالأنفة، والكبرياء، ومن دون شعارات، ولا يافطات خاوية من المعنى فارغة من المضمون.
الشعب الفلسطيني اليوم ليس بحاجة إلى تضامن كلامي أجوف، ولا يسمن، ولا يغني من جوع، الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء، وإلى ضمائر صادقة، مخلصة، لا تنطلق من أفكار العصبية الجاهلية، وإنما تتحرك من وازع ضمير إنساني تربى على الحب، وعلى التضامن مع الآخر، من دون تصنيف أو تحريف، أو تزييف.
فقد ولى زمن الخرافات، والاصطفافات، الخيالية، والعالم بحاجة إلى الوعي بأهمية أن نكون معاً ضد الكراهية، والحقد، والعنف، والسطو على إرادة الغير.
ما يواجهه الشعب الفلسطيني في غزة، يحتاج إلى وقفة صريحة، وصادقة، بعيداً عن الأصوات النشاز، بعيداً عن مكبرات الصوت، وبعيداً عن أحلام اليقظة، وكوابيس الليالي المدلهمة، الشعب الفلسطيني يحتاج إلى من يوفر له الأمن، والطمأنينة، وينزع عن كاهله، أمراض حروب داحس والغبراء، ويعيد له منزله الذي هدم، وأخاه الذي أسر، وطموحه الذي وئد، وابتسامة طفله التي تزحلقت بقدرة قادر، ونزلت في الحضيض.
الشعب الفلسطيني يحتاج إلى من يفهم مطلبه في العيش من دون فرقعات، ولا ألعاب نارية في الهواء الطلق.
هذا ما تقوم به الإمارات، هذا ما تلتزم به قيادتنا الرشيدة، وما استقبال ألف فلسطيني، إلا إيمان بتضامن الإمارات مع كل منكوب في العالم، أصابه الألم في مقتل، وهذه سجية النبلاء الذين لا تغمض عيونهم وفي العالم أرواح تزهق، وقلوب تنهك، ونفوس يفتك بها.
علاج الجرحى، خير بألف، بل مليون مرة من الزعيق، والنهيق، والنقيق، في فراغات المبادئ الساذجة، والأفكار الهلامية، الملونة بألوان الأمراض المستعصية.
حمى الله الإمارات، وجعلها فخراً، وذخراً لكل معوز، وعاجز، ومغبون.
والتاريخ سوف يسجل للإمارات، وقفتها هذه، وهي تعمل بصمت، ومن دون ضجيج ولا عجيج، فقط كل ما تريده هو العمل على عودة الحياة، لمن تم إطفاء أضواء الحياة عن أرواحهم، وكل من وقفوا على أرصفة الواقع الأليم ينتظرون الأمل، فإذا به يأتي من جهة الجنوب حيث تكمن الحقيقة، وحيث الرجال الأوفياء، يتدفقون بخيرهم على أهل فلسطين، بنفس راضية، رخية، وإرادة صلبة، وعزيمة بشموخ الجبال.