علقت خيوط شالها وثوبها بنبتة الجبل، ذات الأوراق الصغيرة جداً والأشواك الكثيرة، تمسكت الأشواك بالخيوط الرفيعة ولم تتركها أبداً، وكأنها تهدي الخيوط لشجرة السمر، هذه الشجرة التي تحدّت الجبل وصخوره الصلبة، ونبتت في منحدره، كانت رمادية الأوراق قبل أشهر، ولكن عانقها المطر فاخضرّت. من أعالي جبال مزيرع ومصفوت، نشاهد الأفق البديع تحت المطر، اختبأت الشمس خلف سحابة حبلى، داكنة اللون، وبعد سويعات أسقطت جنينها المطر.
غرد طائر في أعالي الجبال، ورفّ بجناحيه حاملاً رحلته إلى حصن قديم، على قمة جبل بعيد، تابعته بالنظر الذي لا يحول عنه، كان رفيفه خفيفاً بديعاً، هادئاً في التحليق متمهّلاً، حتى لحقت به طيور أخرى، دار حول البرج القديم والجبل، فرَد جناحيه للريح مع قمة سارية مرفوع عليها علم يرفرف بشموخ.
من بين الغيوم تسللت أشعة الشمس، بعد أن أنزلت تلك السحابة حملها، ثم انزاحت قليلاً لتترك للشمس فرصة رؤية الجبال. كانت تلك الجبال متدرجة في ألوانها ترسم أجمل لوحة في سماء وفضاء مزيرع ومصفوت وحتا.. تدرجات جبلية جميلة، تزيدها جمالاً تلك الجبال التي تكسوها الأشجار والحشائش الخضراء، نباتات تتحدى الصخور وتخرج زاهية وبديعة.
وحدها شجرة السمر العجيبة هجرت السيوح وظهرت في منحدرات وتدرجات الجبل وكأنها تزين هذا الحضور البديع، لم تترك هذه الشجرة ثوب المرأة التي تسلقت الجبل من دون أن تحتفظ بشيء من الثوب والشال الجميل. إنها شجرة بديعة، تهب العسل من تلك الخلايا التي أودعها النحل أغصانها، حيث يحب النحل هذه الشجرة كثيراً، يتغذى على أزهارها الصغيرة، وأيضاً تؤمّن مسكنه، فهي متشابكة الأغصان وفيها أشواك طويلة وكثيرة.
حياة الجبال، غاية في الجمال، وخصوصية في التوافق بين الجبل وما يحيط به من بيئة جميلة. وحده المطر يغير الحياة اليومية للمناطق الجبلية، ولعل الشتاء هو أجمل الفصول، حيث يتبدل كل شيء، يكون الصباح رائعاً بإشراقة الشمس من خلف الجبال، تأتي متهادية في شروقها، وكأنها العروس، مصحوبة بهبوب رياح الجنوب، التي تشعرك بأنك طائر الخضيري يطير فوق المزارع وقمم النخيل، بينما في المساء يشعرك هبوب المطلعي الباردة بأنك صقر أو نسر يحوم فوق رؤوس الجبال، ترحل إلى المسافات البعيدة في السهول. في السماء الواسعة.. الجبال حميمية الروح إماراتية الجمال والسكينة.