الكثير من الرجال والنساء يعتقدون أن السفر إلى الخارج احتفالية بكل ما يلمع ويبرق على المعاصم والأنامل، ولا يعلم هؤلاء أن مثل هذه المظاهر غذاء شهي لكل من تسول له نفسه تحويل فرحة الناس إلى حالات تنعدم فيها الراحة وتتلاشى الفرحة، وتتحول إلى كوارث قد يفقد فيها بعضهم حياته والمشاهد كثيرة والمواقف تعددت مصائبها هذه الأيام.
أعتقد أن مهمة السفر إلى الخارج يجب أن تخرج من دائرة التمظهر المغلقة، وأن ينفتح الوعي على تحويل رحلات السفر إلى نزهات ثقافية معرفية، ولا قيمة لمشقة السفر إذا لم تتمحور حول رغبة إنسانية للتعرف على معالم الدول التي تتم زيارتها، ومصافحة الطبيعة الخلابة في الدول التي نزورها، والتعرف على ثقافات الشعوب وتراثها وحياتها انطلاقاً من الرغبات الكامنة في نفس كل سائح، وهي الانعتاق من زحمة الظروف العملية التي خاضها كل إنسان أثناء وجوده في دائرة الأعمال اليومية والانشغالات الذهنية والنفسية المرهقة.
فالإنسان مطالب بقطف ثمرات معينة من زمنه، وأخذ قسط من الراحة والاستجمام لكي يجدد دورته الدموية، ويحدث من برامج ساعته البيولوجية، ويعمل على ترخية حبل الرتابة والروتين، والسفر إلى بلدان أخرى يرى فيها سعادته وأسرته، ولكن عندما تتحول رحلة السفر إلى تظاهرة سيكولوجية وخدع بصرية، الهدف منها القيام بلعب مسرحية تبيان «أنني» أملك ما لا يملكه غيري، وأنني أنيق، ورونقي أجمل من رونق غيري، هذا السيرك «الأخلاقي» قد يؤدي إلى تصادم حضارات، وإلى حوار غوغائي بين النفوس الأمارة، والنتيجة أن الخسارة تكون فادحة والعودة من السفر ستكون مكللة بدموع الندم، وقد لا نجد الفرصة للندم إذا ما خسرنا حياتنا لسبب من الأسباب، لأن النفوس المريضة يطفح بها العالم، فالحاسدون كثر والعالم يموج بالضغائن وأسبابها كثيرة وأهمها الفقر الذي ينخر عظام البشرية، فلماذا نذهب نحن بإرادتنا لتنانير الحقد ونؤلبها ضدنا، ونحرض المشاعر كي تحرمنا سعادة السفر.
بين فترة وأخرى نسمع عن جريمة قتل أو سرقة أو تحرش، والسبب أن جمهوراً من البشر يكنون عداءً سافراً لكل من يلون جسده بالذهب، وكل ما أبدعته محال الماركات من مظاهر معدنية بالغة الجمال، في ذروة شد الانتباه ولفت الأنظار.
إذاً الحذر واجب كما أن التواضع سر رقي الإنسان ومنعته وصرامة أخلاقه التي تحفظه من الشر، ومن العيون التي تبحلق في كل ما يلمع. كما أن الاستمتاع بالمناطق والبلدان التي نزورها هو الهدف من دفع الأثمان وشراء التذاكر وحجز موائل الطمأنينة، وتحمل أعباء الرحلات الطويلة للوصول إلى ما نبتغيه ونهواه.
فرأفة بأنفسكم وحفاظاً على عيالكم امنعوا عنكم سيول اللعاب، وتلصص العيون الفارغة، امنعوا عنكم أخطاراً، وتلافوا الكوارث قبل حدوثها، لأنه لا ينفع الندم عندما يصبح الفأس في الرأس.