تشاحنّا مع الابن منصور بسبب الشاحن الكهربائي، واستعمال النقال أثناء ذلك الشحن، ومدى خطورته على الأعصاب والألياف البصرية والدماغ، ومن باب حرصي كأب يلقي كلمات وعظ وإرشادات كثيرة ومملة لجيل يبحث عن كل شيء لوحده، وله مراجعه وأسئلته وكم المعارف التي تصب لصالحه في أجهزته المتنقلة، في حين كانت مراجعي الأساسية في ذلك الموضوع ما كان يأتيني من الأصدقاء وفاعلي الخير، وما تقع عليه عيني أثناء التصفح في المواقع الملتزمة، جميع فيديوهات تلك المراجع حديثها بالعربي، وفيها ما فيها من تحذير الناس من مدى خطورة الشاحن، وملامسة بطارية النقال في وقت واحد، وما يمكن أن نتعرض له من الشر والأذى، فطلب مني مرجعاً علمياً لذلك التحذير، والتفتُّ يمنة ويسرة، حتى أُسقط في يدي، وإذا بالمراجع كلها عربية، وتبدأ كلها بتلك المقدمة المعتادة: «قبل ما ندخل في الموضوع هناك مريض لديه طحال معطل، وكبد تالفة، وبنكرياس يعمل بنصف طاقته، رجاء التبرع له على الحساب أسفل البايو»، يعني مقاطع فيديوهات كلها فيها «بسم الله.. تبارك الرحمن»، و«انشر تؤجر»، و«قالت دراسة كندية» أو «حذر الطبيب البلغاري»، بقيت صامتاً لدقيقة ثم أرجعت له الكرة في ملعبه، وقلت له: أثبت لي أنت بطريقة علمية كما تقول، فبقي يحاجج، وأنها ليست بالخطرة، وأنه قرأ في أكثر من موقع، فطلبت منه أن يثبت بمرجعية علمية لكي أقتنع، ولا أظل أتشاجر معه دائماً على «الشارجر»، فبحث بالإنجليزية، وأسكتني بما عرضه عليّ، فقلت في داخلي وأنا أتفكر، كيف يتلاعب بنا، ولماذا لا نضع أسئلة حيال ما يصلنا؟ ولماذا نقدم القبول على الرفض في ما يرسل إلينا؟ وعلى من نضع اللوم؟ على النفس وما تتبّع في الوسائط أم على كذب الناس، وإن أرادوا الحُسنى، وصنع المعروف. 
ومن أمثال «الشاحن والشارجر» هناك الكثير يصلنا، ونتقبله كمسلّمات غير مشكوك فيها، مثلما يظهر شخص ويقول لك ارمِ كل أدوية الضغط.. كلها حِيل من شركات الأدوية العالمية التي اكتشفت منذ زمن بعيد دواءً يقضي على ضغط الدم بشكل نهائي، لكنها احتفظت بذلك كسر من الأسرار الدفينة التي لا يعلم بها أحد إلا رؤوس الحكومة الخفيّة، وأن السر بسيط، ويكمن في نبتة الصبّار والقرفة غير الصينية، وأنه استعملها لمدة شهر واستغنى بعدها عن كل الأدوية الثلاثية، طبعاً ذاك الشخص سيعرج بعد حديثه ذاك إلى الطب النبوي، وسيستلّ كلمات شبه دينية ناعمة لا تعرفها أنها من الحديث أو من كلمات الفقهاء العلماء.
وأشياء أخرى تعزف على وتر «الشاحن والشارجر» مثل ذاك المدعي بأدوية الطاقة الجبّارة، والقوة الفتّاكة، والذي يحلف على كل «غرشة» أنها طبيعية، ومن أزهار البيئة المحلية، وأنها أذهلت الأطباء في الغرب، والمخابر الطبية الآن في شغل شاغل على دراسة مكونات نبتة «الفريفرو»، وما يمكن أن تقدمه للبشرية من تطور يعود بالحيوية والنشاط ويجدد خلايا العضلات، ويمنح الجسد قوة الثلاثين، ونشاط العشرين، وحكمة الأربعين، المشكلة أن المدعي الذي يحلف كثيراً ضعيف البنية، ولا يوحي لك يوماً بأنه تشاجر مع أحد وغلبه أو أنه بيّض وجهه أمام ربعه في سفراتهم المتعددة، وأنه لا عرف حكمة الأربعين ولا قوة الثلاثين ولا نشاط العشرين، وأن نهايته قريبة، وعلى وشك التقاعد المبكر، السؤال كيف مثل هذا يضحك على الناس، ويجعلهم متعلقين بظهوره ليبشرهم أن الدواء الجديد وصل «الديره» ولحق ما تلحق على «الشاحن الجديد والشارجر الحديد»!.