في القرن الواحد والعشرين، تبدو الإمارات الفراشة التي حلقت وانطلقت بين مروج ونجود، واستطاعت خلال خمسين عاماً أن تقطف من زهرات المجد ما جعلها تتربع على عرش التقدم في مجالات هي الأهم في زمن السرعة البديهية للوصول، محققةً المقولة التاريخية لجبران خليل جبران «تقدم ولا تتوقف، في التقدم يحدث الكمال»، وها هي الإمارات اليوم تقف على أعتاب زمن لا يحترم إلا الأقوياء، والإمارات قوية بإرادة قيادتها، صارمة بعزيمة أبنائها، حازمة برؤية سياسية واضحة وصريحة، جازمة بأهداف مجدولة بأهداب الشمس، منتمية إلى الواقع بخيال الرواية التاريخية التي تضع لثيمة الأحلام وعداً لا تجف منابعه، وعهداً لا تكف جداوله، والعطاء مستمر، والرخاء يلف عباءته على الضمائر، ويلون الوجدان ببياض الموجة السخية، والذي يجعل الإمارات استثنائية دوماً هو هذا التفرد بعلاقات وثيقة مع الآخر، دون استثناء ولا تمييز ولا تفريق في مد الكفوف نحو المدى؛ حتى تستيقظ الروح صباحاً لترى الفجر يطوي ملاءته الفياضة على مشاعر قيادة آمنت دوماً بأن الأرض بساطنا والسماء سقفنا، ونحن بين السقف والبساط نسمات تفتح مسام العالم لحياة أفضل ولعلاقات أمتن ولمصالح مشتركة، وقواسم توثق السواعد كي تصير في الوجود أضلاع صدر واحد، وشرايين قلب واحد.
اليوم، وبعد خمسين عاماً من البذل والجهد، تصل الإمارات إلى ذروة المجد، وأقصى الوجد، وهي تقف وجهاً لوجه أمام الحقيقة القائلة، معاً إلى حضارة تبني عرشها على دكة اقتصاد متين وتجارة نابضة واستثمار حي وتكنولوجيا تعيد للإنسان حيويته، وانتصاره على غبش الزمان، وذكاء اصطناعي يعمل على تسريع الوصول لنجوم السماء، وفضاء يفتح نوافذه لأجل ملامسة كواكب أصبحت اليوم منازل للأذكياء، وطاقة متجددة تحمي كوكبنا من دخان العبثية، ومناخ أنقى من عيون الغزلان، وحلول مستدامة لفك عقدة الخوف من هبوط طائرة السفر البعيد اضطرارياً.
هذه هي الإمارات، ونحن نقرأ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى أميركا، وهي الدولة الأعظم، تستقبل زعيماً استثنائياً، مد جسور المودة مع القارات الخمس بكل ثقة ومحبة وصدق في بناء العلاقات الإنسانية قبل كل شيء، إيماناً وتصديقاً بأن الحياة شجرة، نحن الذين نسقي جذورها بالحب، كي تستمر في العطاء.
زيارة رئيس الدولة إلى أميركا هي زيارة التاريخ لأرشيف الحياة، وهي زيارة الجغرافيا محملة بأشواق الناس الطيبين لكل ما يجعل العالم مستقراً وآمناً وحالماً بحياة أفضل وأنعم وأسلم، حياة ملأى بمنتجات الطبيعة الأسخى، فياضة بعقل إنسان يرى في العلاقات بين الدول، كما هي الأنامل وهي تضم زهرة برية، تعطر بها روح الإنسان لتجعل الحياة دوماً في خضم رائحة بلا دخان الحقد، ولا عبث الكراهية.
هذه هي الإمارات اليوم، وجهة النماء والنقاء والسخاء والرخاء والانتماء إلى الحضارة بروحها ووجدها ووجودها الطبيعي من دون تكلف ولا تزلف.
إمارات الحب تنعم بالضمير الحي، وهي تمد خيوط الأمل لكل قاص ودان، لأن الحياة هي جذور الشجرة التي تنعم بتربة ريانة بالعذوبة.
حفظ الله الإمارات، وأمد قيادتها بالعمر المديد، وأجزل على شعبها النبيل الخير وسلامة الروح والطموح والمعتقد، وأفاض عليها بالسد والسؤدد.