دائماً لدي سؤال مقلق للنفس، وهو: لِمَ لا يثاب الأمين والشريف في المجتمعات، مثلما يعاقب السارق والمختلس؟ وهو بحث مضن عن صيغة لخلق نوع من التوازن بين مفهومين أو صيغتين مهمتين في حياتنا، وسعيدٌ هو من يحظى بهداية الاختيار، خاصة أن مجتمعاتنا اليوم متحركة، وثوابتها متخلخلة، ويمكن أن تخلط الأمور أو تزين الوجه القبيح. 
الشعوب والقوانين جربت دائماً وعلى مر الحضارات أن تعاقب الإنسان المخطئ بحق الآخرين، ولم تفكر مرة في أن تثيب المحسن للآخرين، والنتيجة أن بقيت الأشياء غير الحميدة، والأشياء الحميدة تمشي في خطين متقاربين، فالسارق كثيراً ما يحسب أن عدم اكتشافه من الآخرين أكثر ترجيحاً من انكشاف وافتضاح أمره بينهم، لذا فهو يغامر باستمرار، وإن قبض عليه مرة، فقد ربح مرات، والسارق يملك مواهب الحيلة والمسكنة والخداع والتمويه، وهي كفيلة بأن تخرجه من القيد أو الرسن، وقد تبيّض صفحته القانونية، أما الشريف فيقوم بالعمل الخيّر، ولا يرغب في أن يعرف الناس عنه ذلك الفعل، ويسعى إلى ألا يظهر نفسه أمام الآخرين، على الرغم من أنه عمل حضاري وإنساني وذو قيمة أخلاقية عالية، ويفترض أن يكون عمله وشخصه قدوة يحتذى بها في المجتمع ومن الجميع، لكنه يرده خجل كرمه، ووداعة طبعه النبيل، والتوأمة مع النفس المحبة للخير، البعيدة عن الشر. 
السارق في مجتمعاتنا اليوم أكثر شهرة وصيتاً من الأمين، خاصة حين يتباهى بمسروقاته أمام ضعاف النفوس وعشاق المظاهر والمقلدين العميان، وحين يعتلي مركزاً، في حين أن الشريف الأمين يتوارى خلف أعماله الصالحة، ويكاد لا يبين، ونريد بعد ذلك أن تستقيم الأمور، ونغلّب الخير على الشر، وهنا أتكلم عن القوانين الفلسفية الوضعية وطبيعة المجتمعات المدنية، لا عن الأديان، ومسألة الجزاء والثواب في الدنيا والآخرة، وأن ما تعطيه بيمينك خيرٌ ألا تعلم به شمالك، أريد بالطرح أن نعليّ من قيمة الأمين، ونعمم فعله، ونمجد اسمه ليكون نبراساً في المجتمع، ومثالاً للأجيال الصغيرة، مثلما نعاقب على فعل السرقة، ونحقر شخص اللص، ونعده قدوة سيئة ومنبوذة في المجتمع، وإن تظاهر بغير ذلك. 
لقد ظهرت في قصص التاريخ العربي أو الأجنبي نماذج لأبطال شرفاء امتهنوا السرقة من أجل مساعدة الآخرين المحتاجين، فهم يسرقون الأغنياء من أجل دعم الفقراء، مثل «أبي بصير» في المدينة أو صعاليك العرب في الجاهلية وأغربتهم السود مثل: الشنفرى، والسليك بن السلكة، وثابت بن جابر القيسي، الملقب بـ«تأبط شراً»، وجماعتهم من الشعراء الصعاليك العدائين الذين قيل عنهم: إن الخيل لا تلحق بهم، ومن أشهرهم «عروة بن الورد» و«عمر بن براق»، و«أسير بن جابر»، أو مثل «روبن هود» في الأدب الإنجليزي، أو العيّارين والشطّار في الأدب العربي المتأخر، هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم يعملون صنعاً حسناً، وإن كان سرقة، لأنه يتبعها عمل خير، مجاهرين بذلك، فبقوا أحياء في الذاكرة!