لاحظنا مؤخراً التراجع الكبير فيما يعرف بالاتصالات الهاتفية التسويقية المزعجة، وذلك بعد أن دخلت حيز التنفيذ الإجراءات التنفيذية التي كانت قد أعلنت عنها وزارة الاقتصاد، وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية، بعد صدور قرار تنظيم التسويق عبر المكالمات الهاتفية، وكذلك قرار المخالفات والجزاءات الإدارية بحق المخالفين للقرارين اللذين بدأ تطبيقهما منتصف شهر أغسطس الماضي.
حظي الأمر بترحيب واسع لأن الإزعاج فاق كل حدود، وتلك الاتصالات التسويقية المزعجة لا تراعي حرمة ولا خصوصية، وهي تلاحقنا نهاراً وليلاً وفي أوقات القيلولة.
وارتبطت مع هذه الممارسة المزعجة تجارة البيانات وتبادلها بين مختلف الشركات المالية والعقارية والمصارف، وغيرها من الجهات.
لقد أسهمت الإجراءات الجديدة بصورة فعالة في تراجع الظاهرة التسويقية المزعجة التي تفشت في أسواقنا؛ لأن وزارة الاقتصاد تتابع الإشراف على تنفيذها بالتنسيق مع هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، والمصرف المركزي، وهيئة الأوراق المالية والسلع، وغيرها من سلطات الترخيص المحلية والجهات المعنية.
مقابل هذا التراجع في الاتصالات المزعجة، تغمرنا على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات تسويقية لشركات عقارية، وأخرى تزعم أنها استثمارية وغالبيتها تفتقد للمصداقية، وتلاحظ من التعليقات التي يضعها المتابعون الفجوة الواسعة بين الجانبين. وتلاحظ أيضاً سرعة قيام الجهة المعلنة بحذف التعليقات التي لا تعجبها، خاصة عندما يتعلق الأمر بتفاصيل دقيقة تتطلب ردوداً واضحة، وذلك حتى لا تؤثر على «الفخ» الذي تستعد لنصبه للإيقاع بضحاياها المحتملين الذين يعمي بعضهم بريق الذهب والنسبة العالية من الأرباح الموعودة، فلا يتوقفون أو يدققون في جدية الأمر، أو يتساءلون عما إذا كانت هذه الجهة المعلنة، سواء أكانت تعمل في مجال الاتجار بالذهب والمعادن النفيسة أو القطاع العقاري، مرخصة من الجهات المعنية كالمصرف المركزي أو دوائر التنمية الاقتصادية أو التنظيم العقاري.
ومن حسن الحظ وجود خاصية لدى غالبية مواقع التواصل الاجتماعي تكشف عمليات حذف التعليقات التي لا تعجب باعة الأوهام وتكشفهم.
اندفاع بعضهم للمغامرة في الاستثمار أو التداول بالمعادن النفيسة أو العملات المشفرة عبر مواقع مجهولة وغير معتمدة يحمل دلالات عدة، في مقدمتها قلة الوعي والتبصر في مآلات الأمور. كما يحمل دلالة أخرى تتعلق بمؤسساتنا المصرفية وأوعيتها الاستثمارية، وعدم نجاحها في استقطاب هذه الفئات من المتعاملين، مما يدفعهم للمغامرة والتعامل مع جهات ومحافظ غير معتمدة، يكتشفون في النهاية أنها باعت لهم الوهم، ليجد الضحية نفسه، وبعد أن تبخرت أحلامه وأمواله، يردد العبارة الشهيرة من أغنية العملاق الراحل أبوبكر سالم «إيش أوقعني في شباكك وعيني تشوف».