الثقافة كالسماء، إن غشاها غبار الانغلاق أسودت وتكدرت، وإن غسلتها أمطار الانفتاح صفت وأصبحت كالمرآة. فما من حضارة دامت واستدامت وتطورت وعظمت مناحيها إلا ووراءها ثراء ثقافي مكتنز برؤية تنويرية زاهية كأنها الشمس.
فوظيفة المال خدمة الثقافة، ودور الثقافة كسقف حماية للمنجز المالي، وحفظه ورعايته والعناية به من التعثر والزلل.
هكذا نجد العلاقة الثلاثية الحتمية بين السياسة والثقافة والمال. فعندما تتوفر السياسة التي تقف رقيباً منصفاً على العلاقة بين الثقافة والمال تصبح الحياة كأنها القافلة المتجهة إلى مضارب العشب القشيب، فتنمو أشجار الحضارة وتترعرع غزلانها، وتظفر المجتمعات بمنجزات أبعد من الخيال، وأقرب من رموش العين، والإنسان في هذا الوسط الرخي ينعم برخاء المشاعر وتصبح علاقته بالآخر كعلاقة الماء بالأرواح وعلاقة الأقمار بعيون الغيد النواعس، وتجمع كل الأضداد في حقل التنامي بعفوية وشفافية تزينها أحلام المستقبل، وترصعها بقلائد الفرح وتطوقها بعقود الجمال.
كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن دور الثقافة المنفتحة في إتمام عقد التطور والحفاظ على رونقه والعناية بريعان نموه وثراء فصوله وحقوله وبذخ العناقيد في جذوع نخيله.
كلمات سموه مفردات تؤرخ لحضارة إماراتية تربعت على عرش الازدهار واحدة من حضارات الدنيا زانها وعي حكومي يقود المرحلة إلى حيث تكمن النجوم، وحيث تكون أسرار التطور منبعثة من سبر الرؤية الواضحة والصريحة ومسرات الإنجازات المذهلة ومسيرات الركاب الملهمة، بكل ما تعنيه القرائح البشرية من فرادة وتميز واستثنائية، وتخصص في قطف ثمرات النجاح من عذوق المكتسبات الوطنية، لتصبح الأرض نخلة عملاقة، عناقيدها هي تلك المشاريع الضخمة، وتلك المنجزات المدهشة، والتي أصبحت اليوم مثالاً لأفكار مزجت بين الثقافة والمال ليكونا ضلعا التطور، وسقفه وأرضه، ويكونا المبتدأ والخبر في بناء دولة الشفافية، ويكونا الفعل والفاعل في تشييد أسس التطور بعناية من قيادة رشيدة، عرفت كيف يكون التطور، وكيف هي العلاقة بين الثقافة والمال، وهما قطبا المغناطيس، وهما مسار الشمس من الشروق حتى الغروب، والهدف هو دورة النهار والليل من أجل استدامة وجودية، ومن أجل علاقة وطيدة مع الحياة.
نحن اليوم أمام الرهان السهل الممتنع، سهل عندما يكون العقل جاهزاً لاستثمار ذكائه في خدمة العلاقة بين ضلعي المعادلة «المال والثقافة» وصعب عندما يخسر العقل قدرته على التمييز بين العلاقة المحكمة، والعلاقة المضطربة بين المال والثقافة، والإمارات منذ فجر التأسيس اختارت تلك العلاقة المشيمية، الحميمة بين المال والثقافة، فنرى اليوم هذا الإنجاب الطبيعي لحضارة تجاوزت كل العقبات التي اعترضت دول العالم، وصعدت إلى اليابسة بسلاسة ويسر، ولم تتمكن أمواج التطورات السياسية والاقتصادية من المساس بثوابتها، ولم تتمكن الرياح العاصفة صد سفنها عن الوصول إلى الأهداف السامية التي تقصدها.