في صالات الانتظار الضجرة في المطارات المختلفة، تضطر لممارسة متعة التأمل، وقراءة الوجوه، لتصطاد أبطالاً لمشاريع قصصية، تختلف عن جليسك الذي يقرأ عناوين الصحف، وفي الوقت نفسه يتابع نشرة أخبار أجنبية، ويتناول هاتفه ليقرأ من خلف نظارته ما يرسل له، فتعجب منه، ويتأكد لك أنه أحد الوجوه التي يجب أن تقرأها قبل وجوه العابرين:
- شخص لا يمكن أن تنعته بشيء إلا أنه غير واثق من نفسه، يشعرك أنه مشروع مؤجل للضياع، وأنه معرض للسرقة في كل وقت، ومن أصغر نشال، دائم التحسس لجيبه، يفتح حقيبته المربوطة بيده بين الحين والحين، يطل برأسه داخلها، ليطمئن على الجواز والتذكرة والأوراق النقدية المرصوصة بعناية فائقة، عيناه لا تفارق وجوه المسافرين، عله يستمد منها بعضاً من الراحة، لو جلس في القاعة طويلاً فلن يبقى له ظفر مكتمل.
- فتاتان مثل القطتين، ملابس رياضية وعلك، و«تاتو»، وضحكة العمر الغض، والأنف المحمّر من حساسية الصباح، إحداهما تدخن بشراهة لا تتناسب والوجه الجميل، والأخرى تضع سماعات للأذن تنتصف شعر رأسها، تستمع لأغنية شبه تافهة لمطرب هزيل البنية، وينقصه ماغنسيوم بالتأكيد، وقد تعثر كثيراً في إصدار ألبومه الأول.
- شخص منذ أن جلس ورجلاه تهتزان وتتحركان، حتى يكاد يعديك من هذا القلق غير المبرر، لم يجلس على «بِيصِه» عشر دقائق متتالية، يسأل النادل ماذا عنده؟ فيجيبه قهوة وشاي، فيطلب ماء، ثم يسأله بعد فترة عن السندويتشات، فيعدها له، فيطلب قهوة، وبعد مدة، يسأل النادل إن كان عنده «بان كيك» محلي بقطر مربى التوت الأسود، فيجيبه النادل إنه طبق الكافتيريا المفضل، وليس عندهم غيره أصلاً، فتنظر إلى عيني الرجل القلق مشفقاً، لأنه كان يريد أن يغير طلبه في الحال أو أن أحداً ينقذه باقتراح طلب آخر.
- تجلس تتناول قطعة «كرواسان أو شكولا» مع قهوة بالحليب برتابة تحسد عليها، فيأتي شخص متدثر بثياب غليظة، يجلس جنبك، ويبدأ بإيقاظ فلان من منامه برنّة تلفون، ويخابر شخصاً عن موضوع غير متضح المعالم، وبعد كل مكالمة يبدأ بسحب ما يقدر عليه من داخل أحشائه، حتى تعاف ما في صحنك، يعملها ثانية وثالثة، وهذه المرّة من خاطره بصحيح، فترى الدنيا وكأنها غمامة رصاصية أمام عينيك، تحاول أن تشرب قهوتك بالحليب وهي ما زالت ساخنة، فتتذكر رنّة أخينا وسحبه العميق وصوت حشرجته التبغية، فتذهب له تريد أن تسأله: أين يوجد حمام الرجال؟
- امرأة يبدو أنها سمنت على مراحل متباعدة، زندها الملتصق أكبر من زوجها الذي يتبعها، فلا تشك أنها تأكل نصيبه باستمرار، جلست يسبقها لهاثها، في حين زوجها الذي يشبه عود سيجارة وحيد، لم يعرف ماذا يفعل غير أن يرضيها بملء صحن من «بوفيه» صالة الانتظار، باعتباره طبقاً مجانياً، والذي بالمجان كَثّر منه.