منذ بدء الخليقة والإنسان يبحث عن المعنى في الحياة، وهذا ما جعله يكابد صعوبتها، ويمضي في المساعي الحثيثة من أجل إيجاد ذلك المعنى الغائر في ثنيات تفاصيلها، وهذا ما يدحض مقولات فلاسفة كبار أمثال فرويد الذي قال: إن الإنسان يبحث عن المتعة في الحياة، ومثله قال ألفريد أدلر: إن الإنسان يبحث عن السلطة في الحياة، وربما فقط اقترب من ذلك المعنى ألفريد نيتشه إذ قال إنه طالما هناك سبب للحياة، فالإنسان يظل يبحث عن السبب، وهو ما يجعله يثابر، وبمهارة عقلية من أجل كبح جماح اليأس.
ومن يقرأ تاريخ الحياة في الإمارات، ويغوص في التفاصيل، يرى أن تلك الصحراء الشاسعة، الملأى بمنغصات اللظى، والجفاف، وحرقة الفناء على ترابها، يعرف كيف قاد الإنسان الإماراتي قافلة السفر الطويل، بحثاً عن المعنى في الحياة، فالحياة ليست ميلاداً ثم نهاية ثم الولوج في اللا شيء، وإنما هي مهارة عقلية في المماطلة على الواقع، وسير على الأقدام للوصول إلى معنى يؤكد الوجود، فالإنسان جاهر، وغامر، وثابر، وسبر الأغوار ليكشف السبب في وجوده، وكان أول ما لمسه في تلافيف ذلك الوجود، أنه كائن -أي الإنسان- يحمل في طيات وجوده أسئلة البقاء، وعلامات الاستفهام حول معطيات الوجود، وجوده هو، ووجود مكونات الكون، من سماوات، وأرض، وطير، وحيوان، كل هذه المخلوقات انتزعت من وجدان الإنسان أسئلة الوجود، ألم ينظر إبراهيم عليه السلام إلى الشمس والقمر، والليل والنهار، فلما رأى في زوالها حتمية فهم أن عظمة الكون وراءها قوة خارقة تدير شؤونها، وتحرك مسارها، وتحفظ وجودها، وتحمي بقاءها، وهذا الإنسان نفسه هو الذي ظل في المسعى، متمسكاً بجذور الأشياء من حوله، وفي تفاصيلها، وجزئياتها، حتى وصل اليوم إلى ذروة التألق، بمعنى أن الحياة لم تخلق لتزول، بل هي حياة ذات معنى أعمق، وأغزر، وأوسع، وأكبر، الأمر الذي جعل الحضارة الإنسانية تتنامى، وتتعمق، وتتطور، ولولا هذا الإيمان بالمعنى، لما صمدت الحضارة البشرية في وجه غضب الطبيعة، عندما يشتد أوارها، وتستعر نيرانها، وتشرئب أعناق مكوناتها، واليوم عندما نتأمل المشهد في الإمارات، وكيف تطورت بلادنا، وكيف علت ساريتها، وتوسعت ابتسامة طبيعتها، وكبرت سواعد أبنائها، وكيف تجاوز الإنسان الإماراتي تضاريس الأرض، ليعانق الفضاء بكل فخر، واعتزاز، نجد أن هذا الإنسان نفسه هو الذي غاص في اللجج، بحثاً عن معنى لحياته، واقتطف الدر النفيس، من تلك الأعماق الزرقاء، وهو نفسه اليوم يحقق المعنى الأوسع في الحياة، ويجول في الفضاءات، بذهنية متفائلة، ونفس مطمئنة، لإيمانه بقوة المعنى في الحياة، وثقته بقدراته، وثباته عند رؤية القيادة الرشيدة، بأن الحياة ذات معنى أعمق من كل تنظيرات سابقة، وقد تكون لا حقة، لأن رؤية القيادة سبقت عصرها، وتجاوزت أفكاراً ونظريات، فهذه الصحراء التي أحرقت أقداماً، أيضاً علّمت عقولاً، بأن الحياة لا تصمد إلا في عقول عشاق المعنى في الحياة، الصحراء هي الكتاب الأهم الذي علّم الإنسان الإماراتي كيف يصبح العقل نهراً جارياً، عندما تحركه المعاني في الحياة، وكيف يكون سماء صافية عندما تتخلى غيمة اليأس عن جبروتها، وتفتح نافذة للعقل كي يدخل خيط الحياكة في ثقب إبرة المعنى، ويلوّن معطفه، بألوان الحب للحياة، إذاً، المعنى الحقيقي للحياة هو أن نحب الحياة، ومن دون شروط، ومن دون خوف.