طالما تخيلت ذلك الحوار الذي يمكن أن يحدث على باب الجحيم لو التقى شيخ المعرّة، شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء «أبو العلاء المعرّي»، مع «دانتي الييغري» من مدينة فلورنسا الإيطالية، وكل واحد منهما يحمل «كتابه» في شماله، ومتأبِطَين شرّاً، أبو العلاء يحمل كتابه «رسالة الغفران»، ودانتي يحمل كتابه «الكوميديا الإلهية Divina Commedia»، وكأن ما بينهما ما صنع الحداد!
أبو العلاء المعري: لا يمكن أن أصفك إلا بكلمة واحدة: لص!
دانتي: وأنا لا يمكن أن أصفك إلا بكلمة واحدة: أعمى! وإن أردت أن أزيد فأعمى ومجدور!
المعري: إن كنت أعمى البصر فإنني مالك البصيرة، ولعل خاتمتك البَرَص.
دانتي: من يمتلك البصيرة يستطع أن يميز، وأنت تتهم، وتدعو مثل عجائز صقلية.
المعري: أنا لا أتهم، أنا أجزم أنك قرأت كتابي، وانتحلت فكرته، وغيرت شخصياته.
دانتي: للجحيم أبواب عدة، ومغرمون كُثر، ويحق لي أن ألقي بمن أراه من عصري فيها. 
المعري: لكنك امتطيت فرسي، وسطوت على فكرتي، وكدت تنسخ من قرطاسي، وفي كتابك ماهو عندنا «معراج محمد»!
دانتي: وكيف لروما العظيمة أن تنظر لقريتك التي تسمت باسم رجل يدين بدين روما.
المعري: ولكنه عربي.. ومعرّة النعمان هي أقدم من روما في التاريخ، وقد أنجبت كباراً، وضم ثراها عِظاماً.
دانتي: ولكنهم ليسوا بحجم كبار روما، مرضعة الذئاب، روما كل الطرق تدلّ عليها.
المعري: صحيح كل الطرق تؤدي إليها، لكنها عبر بلاد الشام!
دانتي: لولا ذلك القسيس والكاهن العجوز الإسباني ابن سراغوسا، المولود فيها عام 1871م، وعضو المجمع اللغوي العربي في دمشق «ميخيل اسين بلاتيوس» الذي اتهمني بأنني اطّلعت على رسالتك، لما انتبهتم أيها العرب لهذه النقطة الجارحة.
المعري: هل تعرف أنني كنت أقرأ باللمس، قبل اختراع «لويس بريل» الفرنسي للكتابة المنقوطة، في المعرّة التي تستصغرها في ذاك الزمن الذي لم تولد فيه بعد؟!
دانتي: أنتم العرب هناك الكثير الذي تدّعونه!
المعري: هذا بيت من أشعاري يلجمك، ويخرس عنجهيتك: 
كَـأَنَّ مُـنَـجِّــمَ الأَقـوامِ أَعـمى
     لَدَيـهِ الصُـحْـفُ يَـقرَؤُها بِلَمسِ
وغداً.. نكمل