قاسية، مؤلمة، بل ومبكية كرة القدم، فما شاهدناه في قمة ليفربول، وباريس سان جيرمان، قصة درامية، مشدودة فصولها بحبكة مثيرة، لا تترك حتى لمحة قصيرة لتلتقط نفسك، ولعل في مشهدها المبكي، هذه المباراة، فرح واحتفال بكرة القدم «سيدة المتناقضات».
شاءت قرعة الدور ثمن النهائي لدوري الأبطال في نسختها الجديدة، أن تضع في المواجهة فريقين يتنافسان في إبراز الملمح التكتيكي لكرة القدم القائمة على الاستحواذ، كلاهما يملك من العناصر ما يعطيه الحق في تبني الامتلاك خياراً، لكنه متسم بكثير من الواقعية، فلا إفراط في الارتماء نحو مناطق الخصم، ولا مبالغة في امتلاك يصل لحد الاحتباس والاجترار، وصناعة الألم والمخاضات الكاذبة.
أُقصي ليفربول بركلات الألم، وحزننا كبير على خروجه من رقصة الأبطال، كنا نتطلع إلى فواصل أخرى من السفر الجميل مع الأسطورة محمد صلاح، ومع كرة قدم واقعية وجميلة بها يتسيد «الريدز» مشهد الدوري الإنجليزي مع مدربه سلوت، ولو كان باريس سان جيرمان هو من ودّع دوري الأبطال من دور الستة عشر، لكان أيضاً حزننا كبيراً، لأن هذا الفريق تحوّل هذا الموسم إلى معزوفة كروية رائعة تسحر كل من شاهدها، وبين عازفيها نجمنا العربي المغربي أشرف حكيمي، ومن المجحف حقاً أن يُمحى هذا الفريق من خريطة الأبطال والإبداع.
في مباراة الذهاب بحديقة الأمراء، كان عجباً أن يخسر باريس سان جيرمان مباراة سيّرها بطريقته من أولها إلى آخرها، صنع الفرص والعجب، وما حقق المنى ولا الطلب، لأن هارفي إليوت سيخطف هدفاً في الوقت القاتل، ليسمح لليفربول بأن يلعب إيابه بجحيم الأنفيلد، وهو متقدم في النتيجة.
لكن من أحصى خلال مباراة الذهاب، الفرص الباريسية السانحة والمجهضة، سيتفق مع ما ذهب إليه أشرف حكيمي «العميد» الآخر لباريس سان جيرمان، عندما قال: «لو لعبنا بهذه الشخصية بأنفيلد سنتأهل»، وهو ما كان تماماً، لأن الفريق الباريسي سيسدد دين الذهاب بهدف أكروباتي لإسماعيل ديمبلي، وستعبر المباراة أشواطها الأصلية والمضافة من دون أن ينجح «الريدز» في القبض على «الومضة» الطائرة والحائرة، ومن دون أن يفرط الفريق الباريسي بدرجة امتياز عالية جداً في سبقه الرقمي، لتذهب المباراة إلى ركلات الترجيح، وكما أن البرازيلي أليسون حارس «الريدز» صمم مباراة خرافية في باريس، جاء الدور على الإيطالي دوناروما، حارس باريس سان جيرمان، ليقدم مباراة «هلامية» بالأنفيلد، توجها بصده ضربتين ترجيحيتين، ليمنح فريقه بطاقة الصعود إلى ربع النهائي، وهو في أجمل وأقوى حالاته، ولا غرابة أن أعلنته هذه النسخة بالذات، بطلاً لأوروبا للمرة الأولى في تاريخه.
حزن على فرح في رقصة المتناقضات، وتلك هي كرة القدم المذهلة التي تشعل بسحرها كل الأخيلة.