في ذلك الزمان، في ذلك الشهر، كان للسحور رونق، وترياق، وبريق، كان للسحور احتفال أسري تحييه امرأة، وفي مثل هذا الوقت، تسمع أصوات المعدن ترفع صوت اليقظة من جديد وكانت المواقد في الشتاء القارس، تنفث هواءها الدافئ، لتسخن اجساد الصغار، والذين يغادرون فرشهم على مضض، ولم تزل جيوش النوم تستولي على عيونهم، وفي معظم الأحوال يستغل ذلك الرجل الأشيب، فرصة المداعبة، مع صغار باتوا يطوحون رؤوسهم يمنة ويسرة، مثل كرات صغيرة تلاعبت بها أقدام فوضوية، حيث شيطان النوم لم يزل يقبض على عزيمتهم، ويسيطر على وعيهم، ويمارس معهم رقصة الغجر.
ولكن الرجل الأشيب كان يحلو له هذا السلوك الطفولي، فبينما صغاره في غفوة النوم البهيم، يمسك هو بأيدي الواحد منهم، ثم يدفعه، فيقع الصغير، فتطفو ابتسامة ضجرة على شفتيه، فيكرر الرجل فعله، حتى يصرخ الصغير متذمراً، لتهم تلك المرأة، منزعجة من سلوك بعلها، فتنهره، وتطالبه الكف عن مضايقة الصغار.
ولكن الرجل الأشيب، والذي أخذ كفايته من النوم، لا جد ما يمنعه إثارة الحوار، وفتح قنوات النقاش مع الصغار، مستغلاً بذلك عجزهم عن مقاومة النوم، ولذلك كان يرفع صوته بشكل مؤذ لأسماع الصغار، وكانوا ينفرون من تصرفاته، ولكنه يستمر في التسلية على حساب من يشعرون بالتعب بينما تتدخل المرأة وتحاول منع زوجها من تكرار هذه الأفعال التي ترى فيها تنغيصاً على الصغار، فتمسك الأصغر سناً، وتخبئه تحت ثوبها الفضفاض، بينما تطلب من الأكبر سناً بأن يفر بعيداً، عن متناول يدي أبيه، وهكذا يخيم الصمت لفترة، وجيزة، بينما الأشيب يطل على صغيره بعينين تلمعان بشغب رجل يحب الدعابة، وأثناء ما كان يتناول رغيف الخبز ويغمسه في كأس الحليب، وهذا هو السحور المفضل عند هذه الأسرة، كانت شفتاه تفرجان عن ابتسامة شفافة، ولكنها ما كانت مريحة بالنسبة للصغيرين، لأنهما ليسا في مزاج رائق في مثل هذا الوقت، وكانت المرأة تحاول تشجيع صغيريها على تناول ولو لقيمات بسيطة حتى يتمكنا تحمل نهاراً كاملاً يقضيانه بدون طعام، ويتدخل الرجل الأشيب، مازحاً ومستفزاًصغيريه، قائلاً: لو لم تأكلا فسوف تهاجمكما الجنية، وتأخذكما بعيداً ولم تستطيعا العودة إلى البيت، وكانت الزوجة تنظر إلى زوجها بدهشة لما يرتكبه من خطآ عندما يهدد الصغيرين بالجنية، وتعتبر هذا الأسلوب غير ناجح في تعليم الأطفال، ولكنها تتحمل هذه الهفوة من زوجها لعله يدفع ابنيه لتناول ولو القليل من الطعام.
وعند الإفطار، نظر الرجل الأشيب إلى ابنه، وصفق له، مؤيداً قراره على الصمود، ووعده بهدية، (دراجة هوائية) فانشرحت أسارير الصغير، ولكن الذي لم يعجبه قرار ابيه، هو الطفل الأصغر.