في عام المجتمع، تطل اللغة العربية من نافذة أسئلتها البديهية، أسئلة لها في الأنام ما يبررها، وما يغزل قطنها، وما يفتل خيوطها، ويصنع من أبجديتها مكاناً لعلامة استفهام بحجم الحب الذي تكنه القلوب للغة هي الموئل، وهي المنهل، وهي الكحل والمرود، هي الحلم المسترسل في ضمير العشاق والذين رسموا صورة اللغة في تلافيف القصيدة، وفي شعاب الصباحات حين يكون الصباح باكورة ابتسامة لغة، تتحرك في الضمائر كما الدماء في الأجساد، وكما هو الماء في عروق الشجر، وكما هو الهواء في خيوط الرئة.
عام المجتمع، عام رسّخه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ككتاب في ذاكرة الناس، وخضاب في كفوف المترفات، وحساب في أرقام السنوات، وصواب في عقول الكائنات، وانسكاب في حنايا السحابات، وندى على حبات التراب، وبين وردة وأخرى من تلك اليافعات، عام المجتمع فكرة، هي في الأصل سجية من آمنوا بأن الحب بدأ من همسة الكلمة اليانعة، وهي على شفاه، وضفاف المشاعر تثب في الوعي كأنها الغيمة، وهي تخيط قطراتها على وريقات، وجداول.
تخرج اللغة من معطف الكلمتين (الطفلتين) بابا، وماما، ثم تنمو مثل شجرة السدر، ثم تتشعب، وتكبر أغصانها، حتى تبدو في الحياة شجرة عملاقة تظلل الهوية بأبجديتها الحالمة، والمعجم يطوقها بحنان الانتماءات الأصيلة، فلا تصل إليها مخالب غربة، ولا تلمسها أنياب (رطانة، بل تبقى في الوجود سامقة، باسقة، نقية من شوائب الحروف الغريبة، سخية في بلاغتها، ثرية في نبوغها، واليوم عندما نفتح كتاب التاريخ نقرأ في ديوان العرب ما يسهب في مد الروح من قافية وبحر، وما يفيض في الحياة، من فصول، وأصول، تجعلنا نفتخر بأننا ننتمي إلى لغة كأنها النجمة تشيع بريقها لكل من يعشق النور، وتوزع أحلامها لكل من يغدو في الحلم رواية منسوجة من حرير المشاعر الصادقة، والأفكار الخارقة).
هي اللغة لا غير، هي السمت، والسياج، هي الأبدية في ضمير عشاقها، هي الترياق، والسياق، هي الأشواق في حدها وسدها، ومدها، وشدوها، هي لغة الضاد، والأجداد، لغة التاريخ الذي أسمع من به صمم، وأبصر من به غشاوة، ومنح العالم أجمل الحضارات، وأروع الثقافات، واليوم تترع اللغة في حقول خضراء، يانعة، على تراب من أحبوا التراب، وآمنوا بأن اللغة هي بيت الهوية، وهي مآلها، وموالها، وهي سؤالها الكبير على جبين كل إنسان يعيش على هذه الأرض المباركة، أرض الإمارات، أرض الخير، والأحلام الزاهية، أرض المحبة والسلام، والوئام، أرض النشيد الإنساني الذي لا ينضب له معين، ولا تجف غيمته.
في عام المجتمع تفتح لغتنا كتاب التاريخ وتقول هيا اقرؤوا، فهذا كتابي وهذا خضابي، وهذا مآبي، وهذا لون سمائي، وهذه التفاصيل في أشيائي، وهذه الفصول في روايتي، فاقرؤوا، وانهلوا، وتذوقوا الجزل، والنهل، تذوقوا مدى ما لحروفي من سكب، وسبك، وحبكة تلهم الناظرين، وتمنح العشاق جمال المعطى، وروعة العطاء، تمنحهم المساحة الواسعة في سرد الذات، والفرادة في الشدو من أجل الحياة، من أجل هوية هي المرود والمكحل، وهي الغيمة والمنهل، هي الحياة بكل ما تحمله من معنى، وكل ما تشمله من مغزى، هي الحياة عندما تكون الحياة نفساً رخياً لا تقطعه دروب المعضلات.