تكون جالساً ساهياً لاهياً، فيخرج لك واحد من بين الجالسين من الذين يظل يبحث عن تلك الأشياء الصغيرة والبديهية مع الوقت في الحياة، لينقش لك سؤالاً مثل رصاصة «أم سجبة»، لماذا الناس تلبس ساعاتها في اليد اليسرى؟ فيشغل ويشعل مساءنا بذلك السؤال، ويجعل كل واحد من الجالسين يدلو بدلوه في تلك المسألة الصغيرة والتي تحولت لقضية كبيرة ساعتها، فيظهر ذاك الذي يقول لك: لأن اليد اليسرى أقرب إلى القلب، وأسرع لجس النبض، لكن هذا الجواب يبدو مطلع أغنية شعبية هابطة، ولا يخصه بالتفسير العلمي للموضوع، والذي يشطح ليثبت ليلتها أنه ضليع بعلم النفس، ومطلع على مدارسه المختلفة، ليقول لك: إن التفاتة الإنسان عادة تأخذ مسارها السهل والطبيعيّ من اليمين إلى جهة اليسار، وهذه حركة عين الإنسان الفطرية، وهذا الجواب غير مبني على أي من الفرضيات الحسابية المنطقية، ولا يخصه بطبيعة علم الأحياء، والذي يقول لك وهو يريد أن يحور الموضوع، رامياً جواب السؤال بعيداً، طارحاً سؤالاً جديداً: لماذا دائماً تظهر الساعات وهي تشير إلى الساعة العاشرة وعشر دقائق؟ يطرح السؤال ويجيب بنفسه على نفسه دون أن يعطينا ولو برهة للتفكير أو سانحة للتدبر والتدبير، مستدركاً: لا تصدقوا من يقول لكم: إن ذلك التوقيت هو توقيت مولد سيدنا المسيح، لأن هذا غير صحيح، والصحيح أنه اختراع إعلاني تجاري بحت ليستطيع الإنسان أن يقرأ علامة الساعة التجارية واسمها بوضوح، لأنهما بين عقربي الساعة. ولما بهتنا للسؤال الجديد وجوابه السريع، أرجعتنا الظنون للسؤال القديم، فظهر لنا هذه المرة واحد كان مختبئاً خلف تخيلاته، رغم أنه كان يتابع مباراة في كرة القدم معادة، ليقول: والله أنا أعتقد لأن الواحد لما «يلوي على ربيعته» ما يجرح بساعته شحمة أذنها! وهذا الجواب الأخير بالذات لا يستند على أي من البراهين العلمية التطبيقية، المهم ظل ذلك السؤال يشغل بال أهلنا، ونحن نطالع ساعاتنا في أيدينا اليسرى دون أن نعرف جواباً شافياً.
مثل هذه الأسئلة البديهية في الحياة يكون جوابها بسيطاً، ولكنه غائب عنا، المهم.. لماذا الساعة في اليد اليسرى وليس في اليمنى؟ بالطبع هذا أمر لا يخصنا نحن العرب بمسألة «تيامنوا»، على الرغم من أن للعرب في صناعة الساعات وحساباتها وهندستها باعاً طويلاً على مر التاريخ، مثل ابن الهيثم والجزري وابن الشاطر وابن يونس المصري الذي اخترع البندول أو رقّاص الساعة، حتى في العصر العباسي الذهبي حين أهدى الخليفة هارون الرشيد ملك الإفرنج «شارلمان» ساعة دقّاقة تعتمد على آلية هندسية ميكانيكية لم يعرفها الغرب بعد، وكانت سر دهشة البلاط حينها.. وغداً نكمل