نحن نعرف أن تعلّم القراءة يبدأ في سن مبكرة من عمر الإنسان. ونعرف أن لكل مهنة عشرات الكتب التي يكتظ بها معرض أبوظبي للكتاب وأروقته التي تسهم في تطوير الاحتراف، وتخصيب الخيال وتنشيط الابتكار. من دون قراءة الكتب تصبح أية حرفة مجرد تجربة، محدودة بالممارسة اليومية. فالنجار والمهندس والطبيب والمعلم والشاعر، والصحفي والمصور والرياضي والمزارع، وكل أصناف المهن والنشاطات التي كانت هواية، تبقى محدودة ونمطية ومكررة دون تطوير وابتكار، أو دون معرفة بمستجدات تطورها.
في هذا العصر الذي تطورت فيه العلوم والمعارف الإنسانية بشكل مذهل، تصبح القراءة شرطاً معرفياً وحضارياً، فمن دونها لا يتمكن الإنسان من تغيير واقعه إلى واقع أكثر نهوضاً وتطوراً. القراءة تحل أغلب مشاكل الإنسان الشخصية والأسرية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية والسياسية. فساستنا الذين جعلوا من القراءة والكتاب دستوراً ومرشداً يفهمون جيداً احتياجات الإنسان، وإدراك حقه الشرعي والطبيعي في مجالات الحياة. وكذلك الأب والأم في الأسرة، والمعلم في المدرسة، والأستاذ في الجامعة، وأي إنسان في أي موقع مسؤول. الأسرة مثلاً التي تعاني مشاكل في تربية أبنائها لماذا لا تبحث عن الحلول في كتب التربية وعلم النفس التربوي المتوافرة في المعرض، بدل اللجوء إلى التهديد والعقاب والسخرية والعنف الأسري الذي لا ينتج سوى ردود فعل تدميرية على الأبناء ذاتهم قبل الأسرة. والمعلم الذي يجد صعوبة في تسيير أمور طلبته لماذا لا يلجأ إلى كتب علم النفس وكتب علم الاجتماع بدل اللجوء إلى العصا. إن هذه الكتب التي يكتظ بها معرض الكتاب هذه الأيام هي حصيلة ملايين الأفكار والعصور والتجارب في كل نواحي المعرفة الإنسانية. إنها تراكم معرفي يشمل حياة البشرية في كل أطوارها وتطورها، وهي لذلك تكتنز بالحلول لكل مشاكل الإنسان فرداً كان أم جماعة. ثمة أمر بالغ الأهمية في فضيلة القراءة من الكتب التي يكتظ بها المعرض لأن الكتب هي التي تعلم الإنسان احترام الإنسان والكون والطبيعة. وتهبه رقة المشاعر ولطف المعشر وعذوبة الحديث واحترام حقوق الآخرين والشعور بالمساواة بين البشر أمام الله والشرائع والقوانين. إن فضائل الكتاب والقراءة لا تعد ولا تحصى ولا يمكن إدراكها إلا بممارستها. ولعل أولئك الذين جعلوا من الكتاب صديقاً ومن القراءة شرط وجود وممارسة يومية، يدركون ما أقصد، وما أتمناه لكل إنسان من خير وارتقاء.