هل ترون كم هي هشّة حياتنا في هذا العصر الجديد؟ كل الأشياء تغدو هشّة لحظة انهيار أي شيء في حياتنا، الكهرباء، التواصل الرقمي، المواصلات، إغلاق المخابز، أي شيء الذي نعده مفصلاً صغيراً في الحياة يغدو بعد فقدانه ركناً أساسياً ومحورياً لسير وقتنا وحياتنا وفق منظومتها، ذلك ما حدث في البرتغال وإسبانيا أمس، فجأة صمت كل شيء، وذهل الناس، كل شيء توقف عن الحركة بسبب انقطاع الكهرباء العام، وما يترتب عليها من أشياء مرتبطة بها، توقفت «الإنترنت» عصب الحياة الحديثة، وبالتالي تهاوى كل شيء يتبعها، لا تستطيع التواصل، ولا قادر على أن تسحب نقداً، ولا على الدفع الإلكتروني، وخاف الناس، وخوف الناس إما يجعلهم يختبئون في البيوت آمنين أو يهرعون إلى الشارع، وخلق الفوضى التي تقود إلى سقوط أبرياء أو ارتكاب جرائم وسرقات وتخريب. يوم من الصمت والانتظار القاتل، وكلما ما مضت ساعة زاد القلق والتوتر والاضطراب، فيهجم الناس على كل المحلات لشراء ضرورياتهم في لحظة لم يكن أحد مستعداً لها، لا المحلات كمخزون، ولا الناس كمصروف، وهنا مدخل آخر للصراع، وظهور مبدأ دافع عن نفسك من أجل الحياة، ووفق هذا المبدأ ستتسع دائرة الافتراء والظلم وغمط الآخرين والتخلي عن الإيثار.
انهيار النظام الكهربائي في إسبانيا والبرتغال وعدم ربطه مع فرنسا قد لا تهم المسببات بقدر ما تهم النتائج، وقد لا يهم غير المتخصصين من المهندسين الذين يمكن أن يشخصوا المشكلة، ويرجعوا الأسباب إلى التقلبات الشديدة في درجات الحرارة في إسبانيا، خلق تذبذبات شاذة في خطوط الجهد العالي جداً (400 كيلوفولت)، وهي ظاهرة تُعرف باسم «الاهتزاز الجوي المُستحث».
النتيجة كيف يمكن أن يتحول مجتمع من حال الهدوء والعمل الدؤوب وفق إيقاع منضبط، وسلاسة في الحركة في ساعات إلى حالة من الشلل والفوضى العدمية، وكأنها القيامة الآن، ضاق الناس في محطات سكك الحديد، والشوارع اكتظت بالسيارات، ومشاة لا يعرفون وجهة لهم، لا مقاه ولا مطاعم، وليس هناك مجال لإيقاد نار في المنازل، وربكة في المطارات ومحطات القطارات وحركة السفن وغيرها، ما حدث بالأمس كان بمثابة صدمة أيقظت الناس ليتبصروا في أفق حياتهم المتشابكة والهشة والقابلة للانهيار فجأة لأي سبب، ولو كانت صاعقة ماحقة لأعمدة الذبذبات الكهربائية عالية الضغط.