تزور دبي، وتلج شارع الشيخ زايد، وفي مقبل المدينة الزاهية يستقبلك الشاهق السامق، تنظر من حولك، وبين غابة من الشاهقات، الباسقات، الشاهدات على التاريخ، وما يحدث وما يستجد، وما يدهشك برونقه، وبريقه، وبلاغته المعمارية، ونبوغه الجمالي، هنا تتأمل برج راشد، والذي قد يكون توارى بين فلذات الأرض، ومهجتها، ولكنه يبدو لك في الوهلة الأولى أنك أمام براعة التاريخ، وديدن الجغرافيا. وأنك تقرأ كتاباً مفتوحاً على المدى في مضمونه، تتهجى أبجدية الرؤية المبجلة، وفي التفاصيل تكمن العبقرية التي شيدت، والتي أنجزت، وأبهرت، ولونت التراب الأبيض، بقلادة تسربت في الفضاء كأنها النورس العملاق يحدق في وجوه المارين من حوله وبمحاذاته، وقربه، ويقول هنا سكنت قريحة الباني، وهنا تمارس ملكة الشاعر حرفية البناء والتشييد، وتستكمل فصول الرواية، بكواكب أخرى تعانق السماء بمصابيح الجمال، وتسكب في العيون، أضواءها الخلابة، وتمنح الأفئدة فرصة التأمل في المجال، وما يحتويه من لغة التطور على مساحة كأنها ألقاب نابضة، حية تحرض العشاق على تبديد السكون، واستبداله بحركة شائقة، من شغاف القلب، والعين، تغسل الصدر، وتفيض بين المحاجر كأنها الجداول، تتسرب وعياً في تلافيف العشب، وتخضب الجذور ببلل الفضيلة.
برج راشد من ملاحم دبي المذهلة، يقف محاوراً الزمن بلغة الصحراء التي تكللت بعمران الروح، وتجللت بسندس الفضاء الرحب، المفطور على كتابة الشعر بين سطور الرمل وأمواج البحر، والشاعر ما زال يبعث برسائله الإبداعية، متوجاً ببلاغة الكلمة، وحصافة التأمل، وفصاحة التناول، وهو الذي قالها في لحظة تجلٍّ، لا للمستحيل، فالزمان زماننا، والعقل أداتنا في كتابة التاريخ بحروف إماراتية استثنائية، لا تشبه إلا نفسها. وها اليوم برج راشد يتألق، بأحلام الذي أسس، ويتأنق بطموحات الذي يواصل المسيرة بإتقان، وعبقرية فذة، تصنع التاريخ من حروف قصيدة ملحمية، ومن وعي العاديات تضبح واثبة باتجاه المستقبل، كما هي الريح بأعرافها التاريخية، تغسل التراب بأنفاس لا تنقطع، وتبري الصخر، بسنابك كأنها السكاكين تصنع دروع الأيام.
هذا هو برج راشد اليوم، هذا هو البارق، الشارق، الشاهق، الساكن مهجة الأرض، المتحرك في وجدان العشاق كأنه القصيدة، تغزل أبياتها من رمال المحبة، وتضمّن المحتوى بعطر شاعر آمن بأن الخيل والقصيدة ضلعان لا ينفصلان، وثالثهما طموح لا تتوقف أمطاره، ولا تنضب نبوته.
هذا هو برج راشد، يقف شامخاً في دبي، يروي للعالم قصة الانبهار الكوني يوم خطرت الفكرة، ويوم تفجرت القريحة، ويوم صعد الخيال إلى حيث تبنى العلاقة بين الاقتصاد والأحلام، وتصير الحياة مسكناً للإبداع، ومهبطاً لبنات الأفكار. فشكراً للذين يبهجون الخواطر، بإنجازات أبعد من النجوم، وأسعد من الحبيبة.