هناك تبادل للمراكز فيما يقود المجتمعات ويحرك طاقاتها الإبداعية لمزيد من الإنتاجية وزيادة الدخل العام، والظهور كقوة دولية مؤثرة وفاعلة، قبل عقود كانت السياسة، وقبلها وبعدها كان الاقتصاد يقود دفة الأمم، ثم جاء دور الإعلام، وقلب كل الموازين، والآن ما يقود قاطرة المجتمعات هو السياحة، حتى إن بعض الدول تعتمد اعتماداً أساسياً على السياحة في دخلها القومي وتطورها، ولا ندري قد يأتي يوم لعله ليس بعيداً، وتتأخر السياحة ليحل محلها الذكاء الاصطناعي، ويفرض سيطرته على كل تلك الأشياء: السياسة والاقتصاد والإعلام والسياحة، التي ستصبح بطريقة مختلفة، وربما تكون افتراضية، وتخترق الزمن أو تعود به إلى الوراء، وربما في حديث مع شخصيات تاريخية حاضرة في وقتنا.
لعل كل التعريفات للسياحة ونوعيتها، وتقسيمات السياح تعد ناقصة في وقتنا، وقد تجاوزها الزمن والتطور السريع في كل مناحي الحياة، ربما كانت في وقتها تفي بالغرض أيام القوافل التجارية والسكن في الخان، وكانت مقبولة في حدود المعرفة قبل مئة سنة مضت، اليوم دخلت مسميات أخرى في السياحة لم تكن معهودة، وطرأ تغيير على فئات السياح، فظهرت السياحة الدينية «مكة والمدينة مثلاً في المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ الدخل السنوي من السياحة الدينية فقط 12 مليار دولار، والفاتيكان في روما، وكربلاء والنجف في العراق، ورام الله والناصرة ونهر الأردن والقدس في «فلسطين - إسرائيل».
وتطورت نوعية أخرى من السياحة، هي السياحة الصحية مثلما هي في تايلاند وكوريا وسنغافورة وتركيا وألمانيا وأميركا، والسياحة التعليمية في أميركا وأوروبا وبريطانيا والإمارات، والسياحة الملوكية الفاخرة، في بالي ودبي وجزر تايلاند ومايوركا ومونت كارلو والبهاما وغيرها، وهناك سياحة شتائية مثل النمسا وسويسرا وفرنسا، وسياحة صيفية في اليونان ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، سياحة المعارض والمهرجانات الدولية والمؤتمرات العالمية والفعاليات الرياضية الدولية، مثل «فورمولا 1»، وسباقات الخيول، وتصفيات بطولات التنس.
ومثلما تغيرت مفاهيم السياحة، تغير مصطلح السائح القديم والتقليدي، وظهرت فئات جديدة ومختلفة تبحث عن الكيفية لا الكمية، وتبحث عن الخصوصية والتميز، وتبحث عن متطلباتها الشخصية، واحتياجاتها الخاصة، سياحة ملوكية، الأمر الذي تطلب تطوراً في نوع الخدمات الفندقية ووسائل المواصلات، وحتى الرغبات الشخصية التي ثمنها باهظ، فبعض الأثرياء يشترط تغيير غرفته بالكامل ديكوراً وأثاثاً، وبعضهم يطلب أن تكون مضاءة بالشموع فقط، ومنهم المرفه الذي يستأجر جزيرة له ولحاشيته.
السياحة في العالم اليوم متغيرة كل يوم ومتطورة باستمرار، وقد لا تحدّها مصطلحات وتعريفات أكاديمية، وفي وجهة نظري السياحة أكثر تطوراً في الواقع من حديث المنظرين، لقد غدت فناً مختلفاً ومحترفاً، ودخلاً قومياً يحسب بالمليارات، وعليه يكون اعتماد الدول.