من منصات مأجورة، تنعق أصواتٌ تنزّ حقداً وغلاً، وتعاني عقدة مستفحلة اسمها «عقدة نجاح الإمارات»، تطلّ علينا بين الفينة والأخرى كلما تأزّمت وسدّت أمامها الأبواب. وتُصوّر لهم نفوسهم المريضة المأزومة ما يرونه، وبصورة فوقية واستعلائية، ويعتقدون أنهم يعايروننا بما كنّا فيه من شظف العيش وما يرونه بداوة وتخلّفاً. ولبئس ما يرون ويعتقدون.
ولكن الصورة الصحيحة والمنطقية هي: كيف أصبحوا هم؟ وكيف أصبحنا نحن، ولله الحمد والمنة؟ فبفضلٍ من الله، وحكمة قيادتنا الرشيدة، ومن قبلهم قادتنا المؤسسون، أولئك الذين جاؤوا من قلب الصحراء بكل تواضع، ليبنوا أنجح تجربة اتحادية في التاريخ الحديث للعرب والعالم. رجال نأوا بأنفسهم وبلادهم عن الصراعات، والشعارات الجوفاء، والمغامرات الرعناء، ليصنعوا دولة عصرية متطوّرة، لم تكتفِ بما حقّقته من نجاح وتقدّم، بل انخرطت في مشاريع لاستكشاف الفضاء، ووصلت إلى المريخ.
رجال آمنوا بأنّ تطوّر الأوطان لا يكون فقط ببناء الأبراج والمدن السكنية والتجارية والصناعية والترفيهية، ولكن أيضاً ببناء الإنسان والاستثمار فيه. فظهرت أرقى المدن الجامعية، وما تضمّ من جامعات وطنية، من بينها أول جامعة على مستوى العالم العربي والمنطقة للذكاء الاصطناعي، وكذلك فروع لجامعات عالمية عريقة أثرت مواردنا البشرية بدفعات من الخريجين الجامعيين، وحملة الشهادات العليا في شتّى العلوم والتخصصات. ونجحوا في بناء أجيال من الكفاءات والخبرات، من بينهم الشابات والشبان الذين شاركوا في وضع اسم الإمارات في مجال صناعة الأقمار الاصطناعية وغيرها من الصناعات المتقدّمة.
يعايروننا بالصحراء وبيوت العريش، وتناسوا أن أحفاد أولئك الرجال ينعمون اليوم بواحدة من أعلى مستويات الرفاهية والعيش الكريم، وأنهم سجلوا أعلى نسبة عالمية في تملّك منازلهم الخاصة، وبنَوا أكبر محطات لتحلية المياه والطاقة الشمسية، بخلاف ما ينعمون به نتيجة حُسن توظيف مواردهم الطبيعية.
والأهم أن الصحراء شكّلت شخصياتهم، وكانت دائماً مصدر إلهام لهم، وزاداً للقيم التي تربّوا عليها: قيم النخوة، والشهامة، والتسامح، والتعايش، والتعاون، والتضامن الإنساني، قيم لا يعرفها أولئك الذين دجّنتهم الأيديولوجيات، وأكبر من إدراك ضيّقي الأفق وتجاربهم ومغامراتهم الفاشلة، التي لم يجدوا مفَرّاً منها إلا الهرب إلى الأمام، وإلقاء تبعات فشلهم على الآخرين، والحقد الأعمى على الناجحين.
وتبقى الإمارات شامخة كالشجرة المثمرة، تفيء وتفيض بخيرها للجميع، لأنها قامت على الخير وفعل الخير. وللأصوات النشاز، ومن يقفون خلفهم، لا نقول إلا كما قال المتنبي:
«لكل داء دواءٌ يُستطبُّ به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها».